responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بحوث و مقالات نویسنده : كاشف الغطاء، عباس    جلد : 1  صفحه : 393

آثار الذنوب الدنيوية

إنّ الحضارة الإنسانية التي وفرت جميع وسائل الملذات والراحة لجسد الإنسان جعلت بعض الناس يظن أنّ جميع أمراضه عضوية تصيب هذا الجسد فيعالجه عند الأطباء المهرة للشفاء بينما لا يدري ما الداء الحقيقي والدواء والشفاء؟ فإنّ الداء الحقيقي الذنوب ضررها في الأرواح كضرر السموم في الأبدان والدواء الاستغفار والشفاء أن تتوب فلا تعود إلى الذنوب، موطن هذه الروح، والحق أنّ أسباب الأمراض العضوية أسباب مادية جلية ظاهرة كسوء التغذية مثلا، أما الذنوب فهي أسباب خفية للأمراض الروحية التي تكون آثارها المادية المحسوسة أشد فتكا بالفرد والمجتمع من الأمراض العضوية، ومع هذا قد ينكر ويكابر بعض الناس في الأسباب الخفية للأمراض الروحية أو يعزوها إلى أسباب مادية فيصدق الأسباب الظاهرة المحسوسة للأمراض العضوية فقط ولكن من سبر التاريخ واستقراء حال الأمم والشعوب يرى آثار الأسباب الخفية للأمراض الروحية وهي الذنوب أشد فتكا بالفرد والمجتمع من آثار الأمراض العضوية فما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا على آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء أمطرها عليهم وما هي من الظالمين ببعيد! وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون داره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح (ع) بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟ وما الذي أهلك قوم صاحب ياس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولوا بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء واحرقوا الديار ونهبوا الأموال؟ وما الذي سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم رب العزة والجلالة تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب؟ والجواب واضح للعيان فإنّ مصائب الذنوب أعظم من الذنوب، وقد ورد في الدعاء المأثور: (اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب ومن تبعات الذنوب ومن مرديات الأعمال ومضلات الفتن).

وفي هذا المقال لا نتكلم على آثار الذنوب الأُخروية من حيث المعصية ومخالفة الرب الموجبة لاستحقاق العقاب الذي قد يظن بعض الأفراد انحصار آثارها في هذا المجال لأنهم لا يرون تأثيرها في الحال بل من حيث آثارها الدنيوية على الفرد والمجتمع ومنها:

1. إفساد القلب بحيث يصبح أعلاه أسفله لا يستقر فيه شي‌ء من الحق ولا يؤثر في شي‌ء من المواعظ كالكوز المنكوس فيخرج ما يدخل فيه فيصير خاليا من الحق والمعارف مظلما قابلا لجميع المفاسد نعوذ بالله من ذلك. قال الإمام الصادق (ع): كان أبي (ع) يقول: (ما من شي‌ء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله). كما أن الذنوب سبب لرين القلب وصدأه الموجب لظلمته وعماه فلا يقدر أن ينظر إلى وجوه الخيرات ولا يستطيع أن يشاهد صور المعقولات كالمرآة إذا ألقيت في مواضع الندى ركبها الصدأ وذهب صفاؤها وبطل جلاؤها فلا ينقش فيهل صور المحسوسات فكذلك تفعل الذنوب بالقلب من قسوته وغلظته وزوال نوره بما يعلوه من الذنوب قال الشاعر:

2.

نام کتاب : بحوث و مقالات نویسنده : كاشف الغطاء، عباس    جلد : 1  صفحه : 393
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست