و كلمة المصرف مرادفة للفظة الإيطالية (بنكو)
أي المائدة.
إذ كان لكل صيرفي في القرون الوسطى مائدة يضعها في الطريق
أمامه، و منها جاءت تسميته ب (البنك). و إن أول بنك جدير بهذا الاسم
كان في إيطاليا بمدينة البندقية عام 1157 م، ثمّ جنوه و فلورنس[1].
و المصارف أنشئت أصلًا مكاناً أميناً لحفظ الأموال، إلا أنها اليوم
تقوم بدور خطير ليس في تسيير دفة النشاط الاقتصادي بتجميع المدخرات و توظيف
الأموال، و لكن أيضاً في تنمية النشاط الاقتصادي و زيادة سرعة إيقاعه.
إن التطور الاقتصادي الحديث جعل عصرنا (عصر الائتمان) يحتاج بالضرورة
إلى مصارف ضخمة و اعتمادات واسعة[2].
و لا بد لكل دراسة من لمحة تاريخية لبيان الحال التي كانت عليها
المؤسسة التي ندرسها، و كيف تطورت عبر التاريخ حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
الفرع الثاني: تطور النشاط المصرفي:
إن النشاط المصرفي في اغلب الظن قديم قدم النقود نفسها، إذ وجد مقرض
النقود منذ عصور قديمة و في مجتمعات بدائية.
و الأعمال المصرفية لم تبدأ مع بداية نشوء المصارف الحديثة، بل
سبقتها منذ عهود بعيدة في ماضي العصور و الأزمان، فقد عرفت هذه الأعمال بأشكال و
مظاهر متنوعة في ظل عدد من الحضارات التي ازدهرت هنا و هناك. و قد نستطيع أن نميز
بين ثلاث مراحل وجد فيها النشاط المصرفي بما يتناسب و التطور الذي وصلت إليه حضارة
تلك المجتمعات.
أولًا: النشاط المصرفي في الحضارات القديمة:
إن الحفريات الأثرية دلت على أن حركة الائتمان و الصيرفة قد تميزت
في
[1] وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين،
الطبعة الثالثة، دار المعرفة، بيروت، 1971 م، 2/ 363
[2] د. الهواري. سيد، أساسيات إدارة البنوك، مكتبة
عين شمس، دار الجيل للطباعة، القاهرة، 1976 م، ص 7