إن الحكم إذا تعلق
بالفعل فإما أن يكون طلباً للفعل أو لا، وعلى الأول أما أن يكون مع المنع عن الترك
فهو الوجوب أو لا، فهو الندب وعلى الثاني أما يكون طلباً للترك أو لا، وعلى الثاني
فهو الإباحة وعلى الأول أما أن يكون مع المانع من الفعل فهو الحرمة أو لا فهو
الكراهة. ولا بأس بالتعرض هنا لمسألتين.
جنسية المباح للأحكام
الثلاثة
اختلفوا في إن المباح هل
هو جنس لما عدا الحرام من الأحكام كالمندوب والمكروه والواجب أو لا؟ الحق إنه ليس
جنساً لشيء منها وإن كلّا منها نوع برأسه غير مندرج تحت الآخر لأن كل منها فصل
يميزه عن غيره كما عرفت. نعم الجنس للجميع هو الحكم، وتحرير النزاع على هذا الوجه
أولى مما خصّه الحاجبي بالواجب فقط لأن دليل الخصم على ما سنذكره إن
شاء الله تعالى إن تم دلَّ على إنه جنس للجميع لا للواجب فقط، وأيضاً المذكور في
أكثر الكتب تحرير النزاع على هذا الوجه. لنا إن حقيقة الجنس داخلة في النوع لأن
النوع حقيقة الجنس مع الفصل ولو كان المباح جنساً لما عداه من الأحكام المذكورة
لكان حقيقة داخلة فيها، والتالي باطل فإن حقيقة المباح: ما تساوي فعله وتركه من
غير ترجيح. وظاهر عدم دخول هذا في شيء من الأحكام قالوا حقيقة المباح هو المأذون
في فعله وهو حاصل في ما عدا الحرام من الأحكام ممتازاً كل منها عن الآخر بفصل ولا
معنى للجنس إلّا ذلك.
قلنا ما ذكرتم ليس تمام
حقيقة المباح وإنما هو جنسه فقط، وأما فصله فهو المأذون له في تركه من غير ترجيح
لأحدهما، ففي كلامكم غفلة عن