مقدمة: المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك و
المصارف، هل هي ودائع بالمعنى الفقهي، أو أنها قروض ربوية تملكها البنوك و المصارف
على وجه الضمان بالمثل؟
و
الجواب: أنه لا بد لنا من ملاحظة مفهوم الوديعة بالمعنى الفقهي و حدوده سعة و
ضيقاً، فنقول أن الوديعة بالمعنى الفقهي عبارة عن إيداع مال عند الأمين المسمى
بالودعي بغاية الحفاظ عليه مع بقاء عينه في ملك مالكه، و هي بهذا المفهوم المحدد
لا تنطبق على الأموال المودعة لدى البنوك، على أساس أن البنوك مسموحة من قبل
أصحابها بالتصرف بها ما شاءت و تبديلها بأعيان أخرى، و هذا لا ينسجم مع مفهوم
الوديعة بالمعنى الفقهي. و من هنا ذكر بعض الأعلام إن الودائع المصرفية لا يمكن
تصوير كونها ودائع حقيقية، بحيث تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربوية على القرض، و
ذلك لأن المالك يأذن للبنك بالتصرف فيها، و لا يراد بهذا الإذن السماح للبنك
بالتصرف مع بقاء الوديعة في ملك صاحبها، و الا لزم حينئذ أن يعود الثمن و الربح
إلى المالك بقانون المعاوضة لا إلى البنك، بل يراد بالإذن المذكور السماح للبنك
بتملك الوديعة على وجه الضمان بالمثل، و هو معنى القرض، و عليه فتكون الفوائد التي
يدفعها البنك إلى المودع فوائد على القرض، و بكلمة إن إباحة التصرف للبنك في
الأموال المودعة عنده من قبل أصحابها، إنما هي إباحة في تملك تلك الأموال بضمان
مثلها، فإن صاحب المال إذا أذن للأمين و سمح له بالتصرف فيه تصرفا ناقلا، كان
معناه الإذن منه بتملك المال على وجه الضمان بالمثل. ثمّ إن تملك البنك للأموال
المودعة عنده يكون بأحد الطريقين التاليين: الأول: إن المودع من البداية كان يقصد
إقراض البنك للوديعة، أي: تمليكها له على وجه الضمان بالمثل، و هذا المعنى هو
المرتكز في أذهان كل مودع أودع ماله في البنك، لأن الدافع من ورائه تضمينه بالمثل
لا بقاء عينه في ملكه. الثاني: إن المودع بما أنه قد أذن للبنك بالتصرف في الوديعة
حتى التصرف الناقل، فلا محالة يكون مرده إلى الإذن و السماح له بالتملك على وجه
الضمان بالمثل لا مجاناً.