و أما الرد على الزنادقة فقوله «وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ
نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ[1]» و ذلك أن الزنادقة
زعمت أن الإنسان إنما يتولد بدوران الفلك- فإذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها
الأشكال و الغذاء- و مر عليه الليل و النهار و يكبر لذلك فقال الله تبارك و تعالى
ردا عليهم «وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا
يَعْقِلُونَ» يعني من يكبر و يعمر يرجع إلى حد الطفولية- و يأخذ في
النقصان و النكس- فلو كان هذا كما زعموا لوجب أن يزيد الإنسان أبدا- ما دامت
الأشكال قائمة و الليل و النهار يدوران عليه- فلما بطل هذا و كان من تدبير الله عز
و جل- أخذ في النقصان عند منتهى عمره.
و أما الرد على الثنوية
فقوله «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ- إِذاً
لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ[2]» قال لو كان
إلهان لطلب كل واحد منهما العلو- و إذا شاء واحد أن يخلق إنسانا شاء الآخر أن
يخالفه- فيخلق بهيمة فتكون الخلق منهما على مشيتهما- و اختلف إرادتهما بخلق إنسان
و بهيمة في حالة واحدة- و هذا من أعظم المحال غير موجود- و إذا بطل هذا و لم يكن
بينهما اختلاف- بطل الاثنان و كان واحدا فهذا التدبير و اتصاله و قوام بعضه ببعض
بالأهواء- و الإرادات و المشيات تدل على صانع واحد- و هو قوله عز و علا مَا اتَّخَذَ
اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ- وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ
بِما خَلَقَ- وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ و قوله «لَوْ كانَ
فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا[3]».