إِلَى مَكَّةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا تَدَعُوا النِّسَاءَ تَبْكِي عَلَى قَتْلَاكُمْ- فَإِنَّ الْبُكَاءَ وَ الدَّمْعَةَ إِذَا خَرَجَتْ- أَذْهَبَتِ الْحُزْنَ وَ الْحُرْقَةَ وَ الْعَدَاوَةَ لِمُحَمَّدٍ وَ يَشْمَتُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا غَزَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص يَوْمَ أُحُدٍ أَذِنُوا لِنِسَائِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبُكَاءِ وَ النَّوْحِ- فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَغْزُوا رَسُولَ اللَّهِ ص إِلَى أُحُدٍ سَارُوا فِي حُلَفَائِهِمْ مِنْ كِنَانَةَ وَ غَيْرِهَا- فَجَمَعُوا الْجُمُوعَ وَ السِّلَاحَ- وَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَ أَلْفَيْ رَاجِلٍ- وَ أَخْرَجُوا مَعَهُمُ النِّسَاءَ يُذَكِّرْنَهُمْ وَ يحثنهم [يَحْثُثْنَهُمْ] عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَخْرَجَ أَبُو سُفْيَانَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ وَ خَرَجَتْ مَعَهُمْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ.
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ص ذَلِكَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ- وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشاً قَدْ تَجَمَّعَتْ تُرِيدُ الْمَدِينَةَ، وَ حَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَ الْخُرُوجِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ [سَلُولٍ] وَ قَوْمُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَخْرُجْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نُقَاتِلَ فِي أَزِقَّتِهَا، فَيُقَاتِلَ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ وَ الْمَرْأَةُ وَ الْعَبْدُ وَ الْأَمَةُ- عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ وَ عَلَى السُّطُوحِ- فَمَا أَرَادَنَا قَوْمٌ قَطُّ فَظَفِرُوا بِنَا وَ نَحْنُ فِي حُصُونِنَا وَ دُورِنَا- وَ مَا خَرَجْنَا إِلَى أَعْدَائِنَا قَطُّ إِلَّا كَانَ الظَّفَرُ لَهُمْ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْسِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طَمَعَ فِينَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ وَ نَحْنُ مُشْرِكُونَ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ- فَكَيْفَ يَطْمَعُونَ فِينَا وَ أَنْتَ فِينَا لَا، حَتَّى نَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَنُقَاتِلَهُمْ- فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيداً وَ مَنْ نَجَا مِنَّا كَانَ قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلَهُ- وَ خَرَجَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَبْتَغُونَ مَوْضِعَ الْقِتَالِ- كَمَا قَالَ اللَّهُ «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا» يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَ أَصْحَابَهُ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ص مُعَسْكَرَهُ مِمَّا يَلِي مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَ قَعَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَ قَوْمُهُ مِنَ الْخَزْرَجِ اتَّبَعُوا رَأْيَهُ، وَ وَافَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أُحُدٍ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَدَّ أَصْحَابَهُ وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رجلا [رَجُلٍ]، فَوَضَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فِي خَمْسِينَ مِنَ الرُّمَاةِ عَلَى بَابِ الشِّعْبِ- وَ أَشْفَقَ أَنْ يَأْتِيَ كَمِينُهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِعَبْدِ اللَّهِ