و قد بعث اللّه رجالا من أولى النهى و البصيرة، و ذوى العلم و
الفضيلة على الاقتباس من مشكاة أنوارهم و الاخذ و الضبط لعلومهم و آثارهم، و ايداع
ذخائرها في كتبهم و تنظيم شتاتها في تآليفهم ليذوق بذلك الغائب من منهل الشاهد، و
يرد به اللاحق مورد السابق.
و انّ من أحسن ما ورثناه
من ذلك كتاب التفسير المنسوب الى شيخنا العيّاشيّ رحمه اللّه و هو الكتاب القيم
الذي يقدمه النشر اليوم الى القراء الكرام.
فهو لعمرى أحسن كتاب
الّف قديما في بابه، و أوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور.
اما الكتاب فقد تلقاه
علماء هذا الشأن منذ الّف الى يومنا هذا- و يقرب من احد عشر قرنا- بالقبول من غير
أن يذكر بقدح او يغمض فيه بطرف.
و اما مؤلّفه فهو الشيخ
الجليل أبو النصر محمّد بن المسعود بن محمّد بن العياش التميمى الكوفيّ السمرقندى
من اعيان علماء الشيعة، و أساطين الحديث و التفسير بالرواية ممن عاش في أواخر
القرن الثالث من الهجرة النبويّة.
أجمع كل من جاء بعده من
أهل العلم على جلالة قدره و علوّ منزلته و سعة فضله، و أطراه علماء الرجال
متسالمين على انه ثقة عين صدوق في حديثه من مشايخ الرواية يروى عنه أعيان المحدثين
كشيخنا الكشّيّ صاحب الرجال و هو من تلامذته، و شيخنا جعفر بن محمّد بن المسعود
العيّاشيّ و هو ولده.
كان شيخنا المترجم عنه
نشأ على مذهب أهل السنة ثمّ تشيّع فكان أحد أساطين العلم و أعيان الطائفة. اشتغل
في حداثة من سنه بتحصيل العلم فلم يلبث كثيرا حتّى برع و تمهّر في شتّى العلوم، و
تضلّع في مختلفها كالفقه و الحديث و الطب و النجوم و القيافة و غيرها.
و كان (ره) ذا جدّ بليغ
في تجديد ما اندرس من رسوم العلم، و رفع ما عفى من قواعده، فكانت داره مجمع رجال
العلم و الثقافة و طلاب الفضيلة كالمدرسة المملوءة بأهلها من محصل و باحث و كاتب و
مقابل و ناسخ حتّى قيل انه أنفق في سبيل العلم