من الطباع البشرية
أنه إذا كرر على الاسماع هبط عن مقامه الاول ، ولذلك نرى أن القصيدة البليغة إذا
أعيدت على الانسان مرارا ملها ، واشمأزت نفسه منها ، فإذا سمع قصيدة اخرى فق
يتراءى له في أول نظرة أنها أبلغ من القصيدة الاولى ، فإذا كررت الثانية أيضا ظهر
الفرق الحقيقي بين القصيدتين. وهذا جار في جميع ما يلتذ به الانسان ، ويدرك حسنه
من مأكول ، وملبوس ومسموع وغيرها. والقران لو لم يكن معجزا لكان اللازم أن يجري
على هذا المقياس ، وينحط في نفوس السامعين عن مقامه الاول ، مهما طال به الزمان
وطرأ عليه التكرار ، وبذلك تسهل معارضته ، ولكنا نرى القرآن
على كثرة تكراره وترديده ، لا يزداد إلا حسنا وبهجة ، ولا يثمر إلا عرفانا ويقينا
، ولا ينتج إلا إيمانا وتصديقا ، فهو في هذه المزية على عكس الكلام مألوف. وإذن
فهذا الوجه يؤكد إعجازه لا أنه ينافيه كما يتوهمه هذا الخصم.
خامسا : إن التكرار لو فرض أنه يوجب انس
النفوس به ، وانصرافها عن معارضته ، فهو إنما يتم عند المسلمين الذين يصدقون به ، ويستمعون
إليه برغبة واشتياق كلما تكررت تلاوته ، فلما ذا لا يعارضه غيره المسلمين من العرب
الفصحاء؟ لتقع هذه المعارضة موقع القبول ولو من غير المسلمين. وقالوا :
٨ ـ ذكر التاريخ أن أبا بكر لما أراد
جمع القرآن ، أمر عمر وزيد بن ثابت أن يقعدا على باب المسجد ، وأن يكتبا ما شهد
شاهدان على أنه من كتاب الله ، وفي هذا شهادة على أن القرآن ليس خارقا للعادة ، لانه
لو كان خارقا للعادة بنفسه لم يحتج إلى الشهادة عليه ، ولكان بنفسه شاهدا على
نفسه.
الجواب :
أولا
: إن القرآن معجزة في بلاغته واسلوبه ، لا في كل
كلمة من كلماته ، وإذن فقد يقع الشك في تحريف بعض الكلمات المفردة ، أو في زيادتها
ونقصانها.