و قد صرّحوا بأنّ تبوك[1] آخر مغازيه (ص) و هي المعروفة بغزوة العُسرة و تعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها، و كانت في رجب سنة تسع، قبل حَجّة الوداع. و قد اختلفت المزاعم و الاجتهادات في سببها، فقيل: إنّه قد اتّصل به (ص) نبأ من بلاد الرّوم أنّ مَلِكَ الرّوم قد هيّأ جيشا كبيراً لغزو العرب في شبه الجزيرة، و أعدّ العُدّة للقضاء على محمّد و أتباعه، الّذين أصبحوا يهدّدون المناطق المتاخمة لحدود الحجاز.
و كتب (ص) إلى قبائل العرب، ممّن قد دخل الإسلام، و بعث إليهم الرّسل، يرغّبهم في الجهاد و الغزو، و بيّن للنّاس مقصده و أنّه يريد بلاد الرّوم، لبعد الشُّقَّة و شدّة الزّمان و كثرة العدوّ الّذي يَصمُد له، ليتأهّب النّاس لذلك أُهْبَتَه، فأمر النّاس بالجهاز، فأوعب معه بشر كثيرٌ، و تخلّف عنه آخرون، فعاتب الله تعالى من تخلّف منهم لغير عذر من المنافقين و المقصّرين، و وبَّخَهُم و بيّن أمرهم.[2]
هذا ما جاء في كتب السّيرة[3] ولكنّا نقول: إنّ الإعلان بمقصده (ص) لم يكن
[1] 1. تبوك اسم موضع، و هي أقصى موضع بلغه رسول الله( ص) في غزواته، و هي في طرف الشّام من جهة القبلة و بينها و بين المدينة اثنتا عشرة مرحلة( معجم البلدان و كتاب العين) و قيل: أربع عشرة( فتح الباري، 8، ص 84)