أتى رسولُ الله (ص) منازل بني مازن بن النّجار، و قد نزلت في ناحية من الحديبيّة فجلس في رحالهم تحت شجرةٍخضراء، ثمّ قال: «إنّ الله تعالى أمرني بالبيعة». فأقبل النّاس يبايعونه حتّى تداكّوا، فما بقى لبني مازن متاع إلّا وطئ، ثمّ لبسوا السّلاح و هو معهم قليل.
و كان عدد الّذين شهدوا بيعة الرّضوان- على ما روي البخاري و ابن مردوية عن قتادة خمس عشرة مأة،[1] و روي الشّيخان و ابن جرير عن عبدالله بن أُبَي: كان أصحاب الشّجرة ألفاً و ثلاثمائة،[2] و روي سعيد بن منصور و الشّيخان عن جابر بن عبدالله: كنّا يوم الحديبيّة ألفاً و أربعمائة.[3] و قد اختلفوا في بيعة الرّضوان، هل كانت على الموت، أو على عدم الفرار،[4] أو أنّ المراد واحد كما ذكره البعض؟[5] و نقول: إنّ البيعة على عدم الفرار سواء أكانت هي نفسها البيعة على الفتح أم على الشّهادة خلاف الحكمة و التدبير، و ذلك لأنّها تتضمنّ اتّهاماً لأصحابه، بأنّهم مظنّة الفرار من جهة، و فيها أيضاً إيحاء للعدوّ بأنّ رسولَ الله (ص) غير واثق بنصر أصحابه له، و أنّ عدم الثّقة هذا قد بلغ حدّاً جعله يلجأ إلى أخذ المواثيق و العهود منهم بذلك من جهة أخرى.
و ممّا يشهد على ذلك ما رووه: من أنّ أوّل من بايع هو سنان بن أبي سنان الأسدي، فقال للنّبي (ص): أبايعك على ما في نفسك. قال (ص): و ما في نفسى؟
[1] 1. المصدر السابق، ص 50 و 51 عن البخاري، ج 7، ص 507
[2] 2. نفس المصدر، عن البخاري، ج 5، ص 63، و مسلم ج 3، ص 1485
[3] 3. عن البخاري، ج 7، ص 507 و عن مسلم، ج 3، ص 1484