يقول المؤرّخون: إنّه حينما عاد أولئك النّفر المدنيّون الّذين أسلموا، إلى المدينة ذكروا لأهلها رسولَ الله (ص) و دعوهم إلى الإسلام، حتّى فشا فيهم، فلم يبق دارٌ من دور الأنصار إلّا و فيها ذكر من رسول الله (ص).
حتّى إذا كان العام المقبل (أي السّنة الثّانية عشرة من البعثة) وافَى الموسم اثنا عشر رجلًا؛ اثنان منهم أوسيان و الباقون من الخزرج؛ فالتقوا مع الرّسول (ص) في العقبة، و بايعوه على بيعة النّساء.[1] و لما رجعوا إلى المدينة أرسل النّبيّ (ص) معهم (مُصعب بن عمير) ليقرء هم القرآن، و يعلّمهم الإسلام، و يفقّههم في الدّين، فكان يسمّى المُقري.
و قد نَجَح مُصعب و من معه ممّن أسلم في الدّعوة إلى الله تعالى و أسلم سعد بن معاذ، الّذي كان السّبب في إسلام قومه بني عمير بن عبدالأشهل.
و أقام مصعب بن عمير يدعوا النّاس إلى الإسلام، حتّى أسلم الرّجال و النّساء من الأنصار باستثناء جماعة من الأوس، اتّبعوا في ذلك أحدَ زعمائهم، الّذي تأخّر
[1] 1. أي البيعة الّتي لا تشتمل على حرب، أي:« على أن لا يشركوا بالله شيئاً، و لا يسرقون، و لا يزنون، و لا يقتلون أولادهم، و لا يأتون ببهتان يفترونه من بين أيديهم و أرجلهم، و لا يعصونه في معروف؛ فإن وفوا فلهم الجنّة و إن غشّوا من ذلك شيئاً فأمرهم إلى الله عزّوجلّ، إن شاء عذّب و إن شاء غفر». و وجه تسمية هذه البيعة ببيعة النّساء، هو أن النّساء المؤمنات بايعن رسولَ الله( ص) بهذه البيعة في الحُديبيّة كما أشار إليه في آية 12 من سورة الممتحنة.