الوهميّة في أكثرها، و يجعلهم يعيشون في الأجواء و المناخات الإسلامية، و يتعرّفون على خصائص الإسلام و أهدافه؛ و لتحصل لهم من ثَمّ القناعات الوجدانيّة و الفكريّة بأحقّية الإسلام و سمُّوِ أهدافه.
و أمّا أموال خديجة، فلم تكن تُعطي كرشوة على الإسلام، و لا كانت تنفق على المؤلّفة قلوبهم؛ و إنّما كانت تسدّ رمق ذلك المسلم، الّذي يعاني أعظم المشاقّ و الآلام، في سبيل إسلامه و عقيدته؛ هذا المسلم، الّذي لم تتورّع قريش عن محاربته بكلّ ما تملكه من أسلحة لا انسانيّة و لا اخلاقيّة، حتّى بالفقر و الجوع.
فكانت تلك الأموال تسدّ رمق مَن يتعرّض للأخطار الكبيرة، و تخدم الإسلام عن هذا الطّريق؛ و هذا معنى قولهم: «إنّ الإسلام قام بأموال خديجة». فإنّ أموالها، الّتي أنفقت في المقاطعة، كانت في غالبها، من النّوع الّذي يمكن الانتفاع به في سدّ رمق الجائع، و كسوة العاري؛ و أمّا ما سواه، فلربّما لم يتعرّض لذلك، بسبب عدم القدرة على البيع و الشّراء في غالب الأحيان.
نقض الصّحيفة
و بعد ثلاث سنوات تقريباً من الحصر في الشّعب، أخبر النّبيّ (ص) عمّه أباطالب بأنّ الأَرَضَةَ[1] قد أكلت كلّ ما في صحيفتهم من ظلم و قطيعة رحم و لم يبق فيها إلّا ما كان اسماً لله.
فخرج أبوطالب من شعبه و معه بنوهاشم إلى قريش. فقال المشركون: الجوع أخرجهم. و قالوا له: يا أباطالب، قد آن لك أن تصالح قومك. قال: قد جئتكم بخير؛ ابعثوا إلى صحيفتكم، لعلّه أن يكون بيننا و بينكم صلح فيها. فبعثوا، فأتوا بها، فلمّا وضعت و عليها أختامهم، قال لهم أبوطالب: هل تنكرون منها شيئاً؟ قالوا: لا. قال: