و الغريب في الأمر هنا: أننا نجد نفس أولئك الذين فسروا الآية باليهود و النصارى قد ناقضوا أنفسهم حين أضافوا إلى ذلك قولهم: إن المغضوب عليهم هم قوم عرفوا الحق ثم عاندوه. و هم الذين وصفهم اللّه تعالى بأنهم قوم غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ[1].
أما الضالون فهم: قوم ما عرفوا الحق، و قصروا في طلبه، فضلوا. و هم الذين وصفهم اللّه بأنهم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، وَ أَضَلُّوا كَثِيراً، وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ[2].
و هذا كلام عجيب، قد لا يخطر حتى على بال النصارى أنفسهم في صياغة البراءة لأنفسهم، إذ أنه يعني: أن يكون النصراني معذورا في ضلاله، و يكاد يكون هذا تبريرا لانحرافهم، حيث إن ضلالهم كان نتيجة تقصير، فلا يرقى إلى درجة الجريمة الفاحشة.
و معنى ذلك: أنه تعالى قد انتقل من الحديث عن أمر عظيم الخطورة، قد وصف به اليهود، و هو كونهم من المغضوب عليهم إلى أمر سهل و بسيط، و هو ضلال قوم بسبب تقصير منهم. لا بسبب التعمد لغير الحق!!.