ها أنذا اليوم أكملت السنة الخامسة عشرة من عمري، لم أدرك حين أفقت من نومي صبيحته أن يومي هذا سيكون مسكوناً بالدهشة، والمفاجأة، والترقب، والزهو، والإنبهار، ممهوراً بالمتعة، والشغف، والمحبة، ولذة الاكتشاف. يوماً سينقلني من مرحلة سلفت، ويضعني على أعتاب مرحلة أخرى بدأت.
استيقظت مبكراً كعادتي كل يوم، وما أن أنهيت واجباتي اليومية المعتادة- تلك التي تفصل بين يقظتي وجلوسي إلى مائدة الإفطار الصباحي- حتى أبصرت على وجه أبي شيئاً ما مختلفاً عما كنت آلفه منه كل يوم، شيئاً ما جعلني أخمن أن أمراً يخصني بات يراوده ويشغله، ويستأثر باهتمامه. فالعينان المفتوحتان أكثر من المعتاد، كما لو كانتا تحدقان في الفراغ، والشفتان المضمومتان الملمومتان بعض الشيء كما لو كانتا تتهيآن لقول مثير، تهمّان أن تفضيا به ثم تمسكا، والأصابع التي تنقر بانتظام وتتابع نقرات وقورة على مائدة الإفطار تنبئ بأن القلب ممتلئ بعصارة أمر هام، ويوشك لفرط امتلائه أن يفيض.