ثم تحول اجتهاده من بعد ان تعرف على بعض الرجال والأسانيد
التي كان يعتقد بضعفها، ولكنه وللأسف لم تطاوعه نفسه للحكم على الحديث بالصحة، فقال
كلمة موهمة تحتمل وجهين، فقال في (سير أعلام النبلاء): (وقد جمعت طرق حديث الطير في
جزء، وطرق حديث: «من كنت مولاه» وهو أصح، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنه
لعهد النبي الأمي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلي: «إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك
إلا منافق»)([813]).
فقوله (وطرق حديث: «من كنت مولاه» وهو أصح) تحتمل أن
يكون مقصوده هو أن حديث الطير ضعيف ولكن حديث من كنت مولاه اصح، ويحتمل أن يكون
مقصوده أن حديث الطير صحيح ولكن حديث من كنت مولاه اصح، وان كان الافتراض الثاني
هو الأرجح، لان صيغة التفضيل تستخدم عادة في إثبات الصفة المعينة، ثم تفضيلها
بإثبات درجة أعلى وأقوى وأفضل لتلك الصفة، كقول القائل (كريم وأكرم) و(بخيل وابخل)
فلابد من إثبات صفة الكرم أولا ومن ثم نثبت درجة أعلى واقوى وأفضل فنقول (أكرم)،
وعلى أي الأحوال فهو اعتراف من الذهبي على صحته ولكنه اعتراف مبطن.
ثم تجرأ الذهبي أكثر واستجمع شجاعته في كتابه (تذكرة
الحفاظ) وصرح بأن لحديث الطائر المشوي أصلاً صحيحاً باعتبار مجموع أسانيده وطرقه
لا باعتبار انفرادها وتجزئها، قال: (وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد أفردتها
في مصنف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل)([814]).