نص الخطبة
«أُوصيكم بِتَقوَى اللهِ، وأُحذِّرُكُمْ أيّامَهُ، وأرفَعُ لكُم أعلامَهُ، فَكَأَنَّ المَخُوفَ قَد أفِدَ بِمَهُولِ وُرودِه، ونكيرِ حُلولِه، وبَشِعِ مَذاقِهِ، فَاعتَلَقَ مُهَجَكم([225])، وحالَ بَيْنَ العَمَلِ وبَينَكم، فَبادِروا بِصِحَّةِ الأجسامِ في مُدَّةِ الأعمارِ، كَأَنَّكُمِ بِبَغَتاتِ طَوارِقِه([226]) فَتَنْقُلُكُم مِنْ ظَهرِ الأرضِ إلى بَطنِها، ومِنْ عُلوِها إلى سُفُلِها، ومِنْ أُنسِها إلى وَحشَتها، َمِنْ رَوحِها وضَوئِها إلى ظُلمَتِها، ومِنْ سَعَتِها إلى ضِيقِها، حيثُ لا يزارُ حَميمٌ ولا يُعادُ سَقيمٌ ولا يُجابُ صَرِيخٌ، أعانَنَا اللهُ وإيّاكم على أهْوالِ ذلِكَ اليَومِ، ونَجّانا وإيّاكُم مِنْ عِقابِهِ، وأوجَبَ لَنا وَلَكُم الجَزِيلَ مِنْ ثَوابِهِ.
عبادَ اللهِ فَلَوْ كانَ ذلِكَ قَصْرَ مَرماكُم ومَدى مَظْعَنِكُمْ([227]) كانَ حَسْبُ العامِلِ شُغلاً يَستَفرغْ عَلَيهِ أحزانَهُ، ويَذهَلُهُ عَن دُنياهُ، ويُكثِرُ نَصَبَهُ لِطَلَبِ الخَلاصِ مِنه، فكيفَ وَهُوَ بَعدَ ذلِكَ مُرتَهِنٌ بِاكتِسابِه، مُستَوقِفٌ على حِسابِه، لا وَزِيرَ لَهُ يَمْنَعُه ولا ظَهِيرَ عَنهُ يَدفَعُهُ، ويَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكنُ آمَنَتْ مِنْ قَبلُ أو كَسَبَتْ في إيمانِها خَيراً، قُلِ انتَظِروا إنّا مُنْتَظِروُن.
[225] أفِدَ: دنا وقرب. والمهول: المخيف. بشع: صار طعمه كريها. واعتلقه وبه: أحبه حبا شديدا. والمهج: جمع مهجة: دم القلب والمراد نفس القلب.
[226] البغتات: جمع بغتة أي فجأة.
[227] الجزيل: الكثير العظيم من كل شيء. والقصر: الغاية. والمرمى: ما ترمى إليه السهام. والمدى: المسافة والغاية. والمظعن: المسير.