نصوص
إبداعية أخرى، ويبدو أنَّ الشاعر وجد في الحسين عليه السلام وأهل بيته وما جرى
عليهم في تلك الواقعة أمراً لا يماثله أو يقارنه إلا ما وجد في القرآن وحواه من
نماذج سامية يمكن التمثل بها، وإنَّ هذه القصدية والإلحاح الواضحين عند قراءة
الطفيات تدفعنا الى القول بان الشاعر كان يرى في الحسين القرآن، وفي القرآن الحسين،
ولا غرو ان آمن الشاعر بهذا الاعتقاد وترسخ في ضميره ووجدانه، وبخاصة إذا علمنا
مقولة الإمام علي عليه السلام: (أنا القرآن الناطق)[358]، فيتضح لنا أبعاد تعامل الشاعر مع النص القرآني،
فالحسين عليه السلام يمثل الامتداد الحقيقي ليس فقط لأبيه، بل لجده أيضاً[359]، ومن ثمَّ فهو الامتداد الحقيقي أيضاً لرسالة السماء؛
وكذلك آمن الشيعة بأئمتهم الاثني عشر من حيث تمثلهم بالحجج الإلهية على الخلق
أجمعين، والقرآن حجة على الخلق أيضاً.
إنَّ رؤية
الشيعة والشاعر أحدهم في الحسين عليه السلام وموقفه يوم عاشوراء على أنه موقف قلَّ
نظيره إن لم ينعدم في تاريخ الإنسانية، فالذي قدمه الحسين عليه السلام باستشهاده
أحيى سنن الإله وشرائعه التي أنزلها على أنبيائه جميعاً، ومن ثمَّ كان الحسين عليه
السلام ملخصاً لفحوى ما جاؤوا به، وبعثوا من أجله.
إنَّ هذا
الفهم لطبيعة الاعتقاد عند الشاعر تجعلنا لا نستغرب او نتعجب مما جاء في أشعاره،
فالشاعر ينطلق من اعتقاد من أول القصيدة ليعود إلى اعتقاد آخر في نهايتها ليستكمل
حلقة الالتزام الفكري والعقائدي بصورة شعرية.
وتراوحت تبعاً لذلك كثافة القرآنية من أول القصيدة إلى وسطها ومن ثمَّ
نهايتها، ومن تلك الطفيات المشحونة بالقرآنية في بدايتها ووسطها وخاتمتها قصيدته التي
يبدؤها بقوله[360]: