لقد فَطِنَ الغزاليّ أنّ الجرّ لا يفيد إلاّ المسح ،
وأنّه ينافي معتقده ، فأنكره من أساسه وتهجّم على قومه في تعرّضهم لقراءة
الجرّ ، وأَسِفَ من عدم فِطْنَتِهمْ إلى إنكاره ، وأغلظ لهم في القول به
والاستدلال على من قال من باب المجاورة ، وصرّح بأنّ استدلالهم للمجاورة بقول
العَرَبِ : «جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب» ، وقول امرئ القيس :
«مزمّل» ، و «حور عين» ليس بصحيح في جرّ «الأرجل» ، وأنّ الجرّ في
الأمثلة ليس سببه المجاورة ، بل سببه أنّ الرفع أثقل من الكسر[337] ، فاستثقلوا الانتقال
من حركة خفيفة إلى حركة ثقيلة ، فوالوا بين الكسرتين[338] انتهى .
والحاصل : أنّ العرب كرهت الانتقال من الكسرة إلى
الضمّة ، كما كرهت الانتقال من الضمّة إلى الكسرة . قالوا : النقل
من الكسرة إلى الضمّة والعكس ثقيل ، فلذا تركوا في أبنية الأسماء الثلاثيّة
«فُعِل» و«فِعُل» .
[334] .
عند عرض رأي الوهبي الإباضي ، والنحاس ، والجويني .
[336] .
الغَزالة قرية من قرى طوس ـ كما في المصباح المنير ـ وهي مخفّفة الزاي ،
وإليها ينسب أبو حامد محمّد الغزاليّ ، والناس يشدّدون الراء خطأً ،
وقبُرهُ في طوس القديمةِ . وينسب اليه اليوم قبرٌ عليه قُبة سامقةٌ في بغداد
قرب قبر الشيخ عبدالقادر الجيلي (الگيلاني) الصوفي الحنبلي المشهور (ت 561
هـ) ، وليس بصحيح .