أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قرآن كريم
(بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد للَّه الأحد بذاته و كبريائه، الواحد
بصفاته و أسمائه، المتعالي عن أن يتكثر بكثرة النسب و التعينات، المتجلى
بأحديته في صورة الأكوان و الكثرات، فلا كثرة في المظاهر و الأسماء تكثره و
لا تكرر في تعاقب تارات التجلي تكرره، تجلى بذاته لذاته و ظهرت الحقائق و
الأعيان و جعلها براقع وجهه بوجوده، و علمنا بعلمه فأشهدنا ذاته بشهوده.
و الصلاة و السلام على من جمع فيه مراتب الوجود بأسرها، و جعل في
يده مفاتح الغيوب فأوحى إليه بنشرها، محمد الذي أوتى جوامع الكلم ليكمل بها
طوائف الأمم، و يعلم جميع الخلائق لطائف الحكم، فختم به ما أودع من الكمال
عالم التكوين و الإبداع، و ضبط بوجوده نظام الكل من الأصناف و الأنواع، و
على آله و أصحابه و أتباعه الذين كشفوا الحجب عن جمال وجهه الباقي، فتلألأت
سبحانه متساطعة إلى يوم التلاقي.
(و بعد) فان الزمان لما تقاصرت أذياله، و كادت يرتفع بانكشاف الحق
أسباله، و نطق الحق على لسان الخلق بأسراره، و زهق الباطل بتشعشع أنواره، و
اقتضت الحقيقة أن تهتك أستارها، و طفقت في كل سمع يحدث أخبارها، أقبل على
جماعة من إخوان الصدق و الصفا، و أرباب الفتوة و الوفاء، من أهل العرفان و
التحقيق، و من أيدته العناية بالتوفيق، خصوصا كالصاحب المعظم العالم العارف
الموحد المحقق شمس الملة و الدين، قدوة أرباب اليقين، محمد بن مصلح
المشتهر بالتبريزى متعه الله بما فيه و أطلعه على خوافيه، أن أشرح لهم كتاب
[فصوص الحكم] المنسوب إلى الشيخ الكامل المكمل البحر الخضم، محيى الملة و
الدين أبى عبد الله محمد بن على المعروف بابن العربي الطائي الحاتمي
الأندلسى، قدس الله روحه، و كثر من عنده فتوحه، شارطين على أن لا أكتم شيئا
من جواهر كنوزه، و أبرز ما أمكن من معضلات مخفياته و رموزه، فأسعفتهم إلى
ملتمسهم و صرفت عنان همتى إلى تسهيل مقتبسهم، مجتهدا في حل ألفاظ الكتاب،
بقدر ما يسر الله لي من فهم ما هو الحق و الصواب، معتصما باللّه فيما أتصدى
من المرام، فإنه أصعب ما يقصد من مطالب الأنام،