قد تبين فى الفصل السابق ان القضاء ضرورى فى حفظ النظام و الحد من الجموح , و
نعطف العنان فى هذا الفصل الى البحث عن المعيار فيه و معرفة ميزانه , فنقول :
يحتمل بادى ء الأمر استقلال العقل الأنسانى فى ذلك , و ان مداره هو ما ناله
البشر المتفكر برأيه من دون الرجوع الى الرسالات السماوية بل من دون الحاجة الى
ذلك رأسا .
و لكن التعمق فى دليل ضرورة القضاء و تحتمه يرشد الى عدم كفاية العقل الانسانى
فى ذلك و انه قاصر عن تعيين ميزان القضاء و تحديد مداره , لان الانسان كما تقدم
ليس موافقا فى كل آرائه و نظرياته مع غيره من بنى نوعه , فكل شخص يرى نفسه
مصيبا فيما يرتئيه و غيره مخطئا فيما يذهب اليه , و يتخيل ان رأيه هو الصائب
النافع للناس , و رأى غيره هو القاصر الضار لهم .
فينشأ النقاش الفكرى و النزاع العلمى و الاخذ و الرد .
هذا بالاضافة الى انه جبل الكل على النفع الى النفس و القوم و العشيرة و
اعتبار انهم أولى من غيرهم به , و هذا يؤثر كل الاثر فى كيفية وضع القانون و
تطبيقه .
و النتيجة :
ان العامل للاختلاف الموجب لضرورة القضاء لا يمكن ان يكون