لبرهان الاول : لما خلق الله تعالى الخلق ولم يجعل نوع البشرية
في معرفة ما يحتاج إليه مثل البهائم والطيور ، وغيرها من أنواع الحيوان
التي تعرف مصالحها ومعارفها من ذاتها بالطبع كالوزة [1] في السباحة ،
والفروخ في النقر ، والخطاف في طلب حجر اليرقان ، إذا رأى بفرخها صفرة لون
بل جعله محتاجا إلى التعليم مثل ما نشاهده من حال الطفل الذي لولا تعليم
أبويه إياه والمعلمين لكان لا يعرف شيئا ، ولا يعدو البهائم .
وكانت الانفس عاطلة الذات رذلة بخلوها من المعارف وهي متهيئة لقبول
ما يفاض عليها ، ويشرف عنصرها وكان تركها على حالتها هذه مع تهيؤها للقبول
لا من الحكمة ، وجب من حيث وجوب فعل الحكمة على الحكيم وكونه غير مرئي
الافاضة علىأكثرها تهيؤا وأقربها إلى القبول جوهرا ، فيكون القابل بقبوله
ذلك الفيض قائما مقام الحكيم المفيض تعالى في التعليم ، والهداية ، وإفاضة
الفيض هي إرسال الرسل ، والمفاض عليه هو الرسول ، إذا الرسالة واجبة .