يعتبر
الوفاء بالعهد والالتزام بالوعود من أعظم الفضائل الإنسانية من وجهة نظر الإسلام،
وقد ورد التأكيد على أنّ الوفاء بالعهد من عرى الإيمان، وأنّ نقضه يسلب الدين
والإيمان، كما صرّح بذلك القرآن والروايات
[1].
ولا
يقتصر هذا المبدأ على الروابط المحلّية بين المسلمين فحسب، بل على المسلمين أن
ينتهجوه حيال الكفّار والأجانب: «وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ
وَبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ
بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ
مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْءٌ النَّاسُ
أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ
آرَائِهِمْ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ، وَقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ
الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ
عَوَاقِبِ الْغَدْرِ، فَلاتَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ،
وَلَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لَايَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلّا
جَاهِلٌ شَقِيٌّ.
[1]سأل
أبومالك الإمام السجاد عليه السلام: أخبرني بجميع شرائع الدِّين، قال: قول الحقّ،
والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد.
الخصال:
113 ح 90، مستدرك الوسائل: 11/ 316، كتاب الجهاد باب وجوب العدل ح 1.
[2]إذا
كان اللفظ له معنيان والمتكلِّم يقصد المعنى الثاني، فهذا النوع من الكلام يقال
له: التورية.
إنّنا
نقرأ في التاريخ عن سعيد بن جبير أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، دخل مكرهاً
إلى قصر الحجّاج بن يوسف الثقفي، فسأله الحجّاج: ما تقول فيَّ؟ فقال سعيد: قاسط
عادل، فقال الحاضرون: ما أحسن ما قال! ظنّوا أنّه وصفه بالقسط والعدل، قال
الحجّاج: يا جَهَلَة سمّاني مشركاً ظالماً، ثمّ تلا: «وأمّا القاسطون فكانوا
لجهنّمَ حطباً».
وقصده
من كلمة «عادل» هو العدول عن الحقّ.
وفي
مواضع أُخرى عندما أمر هارون الرشيد بقتل البرامكة أيّام حكومته، حضرت لديه امرأة
من البرامكة تطلب منه المساعدة، فأمر هارون بإعطائها، وبعد أن أخذت المال قالت
لهارون الرشيد: أقرّ اللَّه عينيك وفرّحك بما آتاك، حكمتَ بالقسط والعدل.
فسألها
هارون: من أيّ قبيلةٍ أنتِ؟ قالت: من البرامكة الذين أمرتَ بقتل رجالهم.
وبعد
أن انصرفت قال هارون للحاضرين: إنّ هذه المرأة كانت تقصد سوءً بكلامها، فهي تقصد
من قولها: «أقرّ» أي استقرّت عيناك وعميت، ومن قولها: «فرّحك» أي إشارة إلى الآية
النازلة بخصوص هذه الدُّنيا، ومن قولها: «بالقسط» أي الآية «وأمّا القاسطون فكانوا
لجهنّم حطباً»، ومن قولها: «والعدل» أي العدول عن الحقّ والحقيقة.