و
الحقّ أنّ صاحب المنار قد عمد إلى اسلوب التورية بما فهمه من الآيات الكريمة، و
أعرض عن بيان حقيقة الأمر، كما حاول أن يموّه على المطلب الأساسي أثناء إيراده
لذلك الوهم، فقد أدرك مدلول الآية، إلّا أنّه و بذكره لذلك الوهم قد عدل عن السبيل
الصحيح. و لنا أن نسأل صاحب المنار هذا السؤال: هل استنبطت من الآيات أنّ إبراهيم
عليه السلام سأل اللَّه أن يبعث محمّداً صلى الله عليه و آله ليعلّم العرب الكتاب
و الحكمة و الانصياع للنظم الاجتماعيّة؟ و تريد أن تقول بأنّ الدين الإسلامي ليس
ديناً عالميّاً، و لم يبعث محمّد صلى الله عليه و آله إلّا للعرب البدو ليجرّهم
إلى المدنية و الحضارة و الالتزام بالقوانين السماوية للقرآن. و بعبارة أُخرى:
فإنّك استفدت التعليم العام من الآية، إلّا أنّك تعتبر هذا العموم مقتصراً على فئة
خاصّة من الأُمّة الإسلامية، و هم العرب البدائيّون؟ فإن كان هذا هو الذي فهمته،
كان عليك أن تقرّ بأنّ المراد الأصلي من بعثة محمّد صلى الله عليه و آله هو
الاقتصار على تعليم و تزكية العرب، و بالذات العرب البعيدين عن الحضارة و المدنية
الذين لم يألفوا التعليم و التربية و يأنسون بالغلظة و الخشونة؛ و هل يمكنك على
ضوء هذا الإقرار أن تزعم بأنّ محمّداً صلى الله عليه و آله قد بعث للناس كافّة
على مدى التأريخ؟ و إذا زعمت بأنّ هذه الآيات تستهدف تعليم النظم الاجتماعيّة
الإسلامية و تعليم و تزكية جماعة معينة، دون أن يتنافى هذا الأمر و كون الدين
الإسلامي ديناً عالمياً، إلّا أنّ إبراهيم عليه السلام سأل اللَّه ليقوم محمّد صلى
الله عليه و آله بتزكية ذريّته، و ما ذريّته سوى العرب البدو الذين لا يأنسون
بالعلم و الحكمة. ففي هذه الحالة لا تكون هذه الآيات بصدد إثبات عالمية الدين
المقدّس، بل هي عبارة عن دعوة تضمّنت تعليم و تزكية و إعداد طائفة خاصّة، الأمر
الذي أوردناه سابقاً ... إذن، فالدعوة لم تكن بعث رسول من ذريّة إبراهيم و إسماعيل
عليهما السلام إلى طائفة