تبارك
و تعالى على الإطلاق مالكية حقيقية لا اعتبارية؛ لذلك يُقال له: «مالك الملك». إذن
فقولنا: صاحب المُلك و صاحب المِلك لا يتنافى و الآية القرآنية الكريمة، و هناك
الآيات القرآنية الأُخرى التي تؤيد هذا المعنى في أنّ الملك بالضمّ يعنى به
البلاد، فقد صرّحت الآية قائلة: وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ
وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ[1] إلّا أنّ هذه الآيات التي تتحدّث عن الملك لا تقتصر على الإشارة
إلى البلاد، بل الأهمّ من ذلك: أنّها تتحدّث عن صاحب البلاد، فمثلًا هذه الآية
التي تقول بخصوص نبي اللَّه داود: وَ شَدَدْنا
مُلْكَهُ تفيد أنّ البلد الذي يقوده داود عليه السلام قد أصبح بلداً قوياً
إثر زعامته و قيادته، و كأنّ الذي يتبادر من الآية أنّ قوّة البلاد إنّما تكمن في
قيادته و زعامته القويّة و العالمة المقتدرة، إذن فالملك العظيم هو البلد القوي
الذي يحكم من قبل زعيم قوي و مقتدر و عالم، بحيث إذا قيل: البلد الفلاني هو بلد
قويّ و واسع و عامر، كان لا بدّ من الإذعان إلى أنّ هذه المَنعة و القوّة إنّما
تعود إلى زعامة ذلك البلد. إذن فالملك العظيم من وجهة نظر القرآن إشارة إلى
امتلاك الزعامة الناجحة، و هذا بدوره يزيح السّتار عن أمر عظيم في العثور على بلد
عامر و قوي و مستقلّ من شأنه أن يلعب دوراً عالمياً من خلال اعتماده على ذاته و
مقوّماته، أي أنّ رمز ظهور مثل هذه البلدان ليس سوى امتلاكها لزعيم قوي مقتدر. و
بناءً على هذا فإنّ قول الباقر عليه السلام هو عين الصواب، و حقاً إنّه لباقر
علوم الأوّلين و الآخرين إذ قال عليه السلام: «الملك العظيم أن جعل فيهم أئمّة
...» و من هذه الجهة فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب كون الأئمّة الأطهار هُم
زعماء البلاد وقادة الأُمّة، فإذا ما كانوا قادة الأُمّة كانت بلاد المسلمين قويّة
مقتدرة.