حين
تتلمذ الأئمّة الأطهار عليهم السلام في مدرسة الرسالة، و قد نالوا الإخلاص في
العبودية بدعوة إبراهيم عليه السلام، ثمّ جدّوا في الورع و التقوى و التسليم و
الرضا و الجهاد في الحقّ و طهارة المولد، حتّى حظوا بعناية واهب العلم و العقل و
النور، فهم تلامذة الوحي و معدن الرسالة و مختلف الملائكة. أ فمن العجب أن تكون
للأئمة مثل تلك الرؤية و البصيرة بحيث يرون جميع الأشياء و يحيطون بكافّة أسرار
القرآن و مكنونات الخلقة و مصير المسلمين؟
فإن
كان القرآن صرّح بأنّهم شُهداء على الناس، فمن الطبيعي أن يفيض عليهم الرحمن بحار
العلم و محيطات الحلم و يزوّدهم بالبصر و البصيرة، بحيث لا يخفى عليهم شيء. لقد
ذهل عبد اللّه بن أبان الزيّات- الذي يتمتّع بمكانة خاصّة عند الإمام الرضا عليه
السلام- حين قال له الإمام عليه السلام: «و اللَّه إنّ أعمالكم لتُعرض عليّ في كلّ
يوم و ليلة» [1]. فلمّا أحسّ الإمام عليه السلام منه
ذلك قال له: أ لم تقرأ الآية وَ قُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ[2]. و هنا التفت ابن الزيّات ليدرك
القيمة الحقيقية للإمام، و أن ليس هناك ما يدعو إلى الدهشة و العجب في أن يفيض
اللَّه على عالم الوجود بمثل هؤلاء العِباد فيلبسهم من حلل الكرامة و العلم، و
القرآن يقود إلى هذه الحقيقة. و قد ورد عن أمير المؤمنين، و علي بن الحسين زين
العابدين، و جعفر بن محمّد الصادق عليهم السلام، أنّهم قالوا: نحن شجرة النبوّة، و
بيت الرحمة، و مفاتيح الحكمة، و معدن العلم، و موضع الرسالة، و مختلف الملائكة، و
موضع سرّ اللَّه [3].
[1] الكافي 1: 219 باب عرض الأعمال على النبي
صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام ح 4.