القضايا الحقيقيّة لا الخارجية، و توضيح ذلك يتوقّف على
بيان المراد منهما.
تحقيق: في القضايا الحقيقيّة
فنقول:
القضايا الحقيقية هي القضايا التي يكون الحكم فيها مترتّباً على جميع أفراد
الطبيعة من غير اختصاص بالأفراد الموجودة خارجاً، بل كلّ فرد وُجد مصداقاً لها
يترتّب عليه الحكم، فإذا قال: كلّ نار حارّة، فقد جعل الموضوع هو جميع أفراد النار
أعمّ من الموجودة و المعدومة، و ذلك لما عرفت سابقاً من أنّ لفظة «النار» و كذا
سائر الأسماء الموضوعة للطبيعة المطلقة إنّما تدلّ بالوضع على نفس الطبيعة
الموضوعة بإزائها. و كما لا يمكن أن تكون الطبيعة مرآةً للأفراد و الخصوصيّات،
كذلك لا يحكي اللّفظ الموضوع بإزائها إلّا عن نفس الطبيعة المجرّدة عن القيود التي
منها نفس الوجود، فكلمة «النار» حاكية عن نفس ماهيّتها التي هي مقسم للموجودية و
المعدومية.
و أمّا كلمة «كلّ» المضافة إليها: فقد عرفت سابقاً أنّها
موضوعة لإفادة استيعاب أفراد مدخولها، و لا دلالة لها على خصوص الأفراد الموجودة،
بل مدلولها هو استيعاب الأفراد التي تقبل الاتّصاف بالوجود تارةً و بالعدم اخرى،
و بهما ثالثةً، فيقال: أفراد الطبيعة بعضها موجود و بعضها معدوم، فظهر عدم اختصاص
مدلولها أيضاً بالأفراد الموجودة، و من المعلوم أنّ إضافة كلمة «كلّ» إلى اللّفظ
الموضوع لنفس الطبيعة المطلقة لا تدلّ على أمر وراء استيعاب أفراد تلك الطبيعة
الواقعة مدخولة لها، فالموضوع في أمثال تلك القضايا إنّما هو جميع أفراد الطبيعة
بما أنّها مصداق لها، فقوله: أكرم كلّ عالم، يكون الموضوع فيه هو إكرام كلّ عالم
بما أنّه مصداق لطبيعة لا بما أنّه زيد أو عمرو أو بكر مثلًا.