بل
التحقيق أنّ وجودها وجود معانيها في نفس الأمر، بيانه أنّ المراد من ثبوت المعنى
باللفظ إمّا أن يراد ثبوته بعين ثبوت اللفظ بحيث ينسب الثبوت إلى اللفظ بالذات
وإلى المعنى بالعرض، وإمّا أن يراد ثبوته منفصلًا عن اللفظ بآليّة اللفظ بحيث
ينسب الثبوت إلى كلّ منهما بالذات، لا مجال للثاني، إذ الوجود المنسوب للماهيّات
بالذات منحصر في العيني والذهني، وسائر أنحاء الوجود من اللفظي والكتبي وجود
بالذات للّفظ والكتابة، وبالجعل والمواضعة وبالعرض للمعنى، ومن الواضح أنّ آليّة
وجود اللفظ وعلّيّته لوجود المعنى بالذات لابدّ من أن يكون في أحد الموطنين من
الذهن والعين، ووجود المعنى بالذات في الخارج يتوقّف على حصول مطابقه في الخارج أو
مطابق ما ينتزع عنه، والواقع خلافه، إذ لا يوجد باللفظ موجود آخر يكون مطابقاً
للمعنى أو مطابقاً لمنشأ انتزاعه، ونسبة الوجود بالذات إلى المعنى مع عدم وجود
مطابقه أو مطابق منشأه غير معقول، ووجوده في الذهن بتصوّره لا بعلّيّة اللفظ
لوجوده الذهني، والانتقال من سماع الألفاظ إلى المعاني لمكان الملازمة الجعليّة
بين اللفظ والمعنى، مع أنّ ذلك ثابت في كلّ لفظ ومعنى ولا يختصّ بالإنشائي،
فالمعقول من وجود المعنى باللفظ هو الوجه الأوّل، وهو أن ينسب وجود واحد إلى
اللفظ والمعنى بالذات في الأوّل وبالعرض في الثاني، وهو المراد من قولهم: «إنّ
الإنشاء قول قصد به ثبوت المعنى في نفس الأمر».
وإنّما
قيّدوه بنفس الأمر مع أنّ وجود اللفظ في الخارج وجود للمعنى فيه