نام کتاب : مفتاح العلوم نویسنده : السّكّاكي جلد : 1 صفحه : 340
بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب فيما يقولون : إنها لا يدخل الجنة فيها
إلّا من كان هودا أو نصارى ، وإنها لا تمسهم النار فيها إلّا أياما معدودات ، وإن
أهل الجنة فيها لا يتلذذون في الجنة إلّا بالنسيم ، والأرواح العبقة ، والسماع
اللذيذ ، ليست بالآخرة ... وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند
الله في شيء ، وستعرف التعريض ، إن شاء الله تعالى ، في علم البيان. وفي قوله
تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)[١] يقولون : أخرت صلة الشهادة أولا ، وقدمت ثانيا ، لأن
الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم ، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا
عليهم ، وفي قوله تعالى (لَإِلَى اللهِ
تُحْشَرُونَ)[٢] يقولون : إليه لا إلى غيره ، وتراهم في قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)[٣] يحملون تعريف الناس على الاستغراق ، ويقولون : المعنى
لجميع الناس رسولا وهم العرب والعجم ، لا للعرب وحدهم ، دون أن يحملوه على تعريف
العهد أو تعريف الجنس ؛ لئلا يلزم من الأول اختصاصه ببعض الإنس ، لوقوعه في مقابلة
كلهم ، ومن الثاني اختصاصه بالإنس دون الجن.
ولإفادة
التقديم عندهم التخصيص تراهم يفرعون على التقديم ما يفرعون على نفس التخصيص ، فكما
إذا قيل : ما ضربت أكبر أخويك ، فيذهبون إلى أنه ينبغي أن يكون ضاربا للأصغر ،
بدليل الخطاب ، يذهبون أيضا إذا قيل : ما زيدا ضربت ، إلى أنه ينبغي أن يكون ضاربا
لإنسان سواه ، ولذلك يمتنعون أن يقال : ما زيدا ضربت ، ولا أحدا من الناس ، ولا
يمتنعون أن يقال : ما ضربت زيدا ولا [أحدا][٤] من الناس ،