لما تقرر أن
مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال ، وعلى لا انطباقه ، وجب
عليك أيها الحريص على ازدياد فضلك ، المنتصب لاقتداح زناد عقلك ، المتفحص عن
تفاصيل المزايا التي بها يقع التفاضل ، وينعقد بين البلغاء في شأنها التسابق
والتناضل ـ أن ترجع إلى فكرك الصائب ، وذهنك الثاقب ، وخاطرك اليقظان ، وانتباهك
العجيب الشان ، ناظرا بنور عقلك ، وعين بصيرتك ، في التصفح لمقتضيات الأحوال في
إيراد المسند إليه على كيفيات مختلفة ، وصور متنافية ، حتى يتأتى بروزه عندك لكل
منزلة في معرضها ، فهو الرهان الذي يجرب به الجياد ، والنضال الذي يعرف به الأيدي
الشداد ، فتعرف أيما حال يقتضي طي ذكره ، وأيما حال يقتضي خلاف ذلك ، وأيما حال
يقتضي تعرفه : مضمرا ، أو علما ، أو موصولا ، أو اسم إشارة ، أو معرفا باللام ، أو
بالإضافة ؛ وأيما حال يقتضي تعقيبه بشيء من التوابع الخمسة ، والفصل ، وأيما حال
يقتضي تنكره ، وأيما حال يقتضي تقديمه على المسند ، وأيما حال يقتضي تأخيره عنه ،
وأيما حال يقتضي تخصيصه أو إطلاقه حال التنكير ، وأيما حال يقتضي قصره على الخبر.
طيّ ذكر المسند إليه :
أما الحالة
التي تقتضي طي ذكر المسند إليه فهي : إذا كان السامع مستحضرا له ، عارفا منك القصد
إليه عند ذكر المسند ، والترك راجع إما لضيق المقام ، وإما للاحتراز عن العبث بناء
على الظاهر ، وإما لتخييل أن في تركه تعويلا على شهادة العقل ، وفي ذكره تعويلا
على شهادة اللفظ من حيث الظاهر ، وكم بين الشهادتين ، وإما لإيهام أن
[١] المسند اصطلاحا :
المتحدث به ، أو المحمول أو الخبر.
والمسند إليه : هو موضوع الكلام أو
المتحدث عنه. ويسمى أيضا : المحكوم عليه.
نام کتاب : مفتاح العلوم نویسنده : السّكّاكي جلد : 1 صفحه : 265