لم يكن الدعاء هو
المعوّل. فعلى ما ذا نتكل فالأمر أدّ ، والخطب حدّ. والسفر طويل والزاد قليل ، والشأن
خطير ، والعمر قصير ، وفي العمل تقصير. والبضاعة مزجاة ، والحاضر من النقد زيف ، والناقد
بصير. ولكن الجود غزير ، والرب قدير ، وفضل اللّه بالشمول جدير. فإن أقال عثراتنا
بدعاء مسلم واحد فما ذلك على اللّه بعسير. وها أنا مقترح عليك أن تقول في دعائك : اللهم
أره الحق حقا وارزقه اتّباعه. وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه. وما أحوج إلى هذا
من ركب متن الخطر في الارتفاع. عن حضيض التقليد مع سلامة مغبّته إلى يفاع الاطّلاع
، والاستبصار مع خطر عاقبته وتفاقم غائلته. فإن لم يره الحق حقا كان نظره كله هباء
، وإن لم يوفقه للعمل بما علمه كان جهده كله عناء ، وكان علمه للجهل إناء وطاعته
مع العصيان سواء. فنعوذ باللّه من سقطة ما منها بعثة ومن مهواة ما لها مرقاة. واعلم
أن ما سمت إليه همتك ، وطمحت نحوه عينك إن استوفيته لك فبحر عميق وعمقه بعيد فاقنع
في الحال بما تيسر وارض في الوقت بما حضر ، وإن كانت غرفة من بحر وصبابة من تيار ،
وخذها عجالة من مستوفز ولمعة من بارق وقبسا من مجتاز ونبذة من طارق ، واكتف بما
سمحت به القريحة على ارتجالها ، وعنت التشاغل به النفس مع ارتحالها ، وتحقّق أني
جامع لك مع الإيجاز من النكت النفيسة زبدة محضها وصفوة محضها ، ومشير إلى جمل إذا
أخذ التوفيق ضبعك وأحال إلى استدرار فرائده واستخراج ودائعه وبدائعه فهمك وطبعك
احتويت به على ما انتخيت واستوليت على ما ابتغيت ، واللّه تعالى يعصم أقوالنا عمّا
يراه بكمال علمه خطأ وخلفا ويوفقنا بقربنا إليه زلفى بمنّه وفضله.