وهذه الصورة تجعل العقول المثقفة يقظة وخائفة
معا. ولعلّ خوفها يتجلّى في التقرب من السلاطين والوزراء والأمراء. ويقظتها تتبدّى
من خلال الكثرة الوفيرة من الإنجاز التأليفي في الشرعيات واللغويات والعقليات ، ولا
سيما أن الصراع بين التيارات والمذاهب أحمى وطيس الحجاج وشدّ من أزر الأدلة والدفاع
، فغزر العطاء وتشعّب في كل ميدان.
وما لبث أن كدّر هذا السير المتنامي في
التوسع السياسي والحضاري جمع من الإسماعيلية أتباع الحسن بن الصباح ، ولا سيما
أنهم اعتمدوا أسلوب الاغتيال السياسي وإرهاب الحكام والعقول ، وقد ذهب ضحيتها نظام
الملك نفسه عام ٤٨٥ ه [١]. والذي شكل عقل السلطان والسلطنة.
ثم نخر النزاع على الحكم عظام الأسرة
السلجوقية ، وأصاب فيما أصاب عائلة الوزراء من أولاد نظام الملك ، وذلك بالوشايات
تارة والاقتتال طورا ، كما حدث بين فخر الملك ومؤيّد الملك ابني نظام الملك. وفي
العام ٤٩٨
ه تجزأت الدولة السلجوقية بين سنجر ومحمد ثم استتب الأمر لمحمد لكن ما لبث أن
توفي عام ٥١١
ه فعاد الصراع بين سنجر وابن محمد السلطان محمود وتحاربا قرب ساوة. وهكذا استمر
الصراع بين السلاطين يسيطر على ساحة المنطقة طوال تلك الفترة.
[١] ابن الأثير ، الكامل
في التاريخ ، حوادث ٤٨٥ ه.