قلنا : أن العلم الضروري هو الذي لا يحتاج
إلى الفكر وإنعام النظر وأشرنا إلى أنه لابد من توجه النفس بأحد أسباب التوجه. وهذا
ما يحتاج إلى بعض البيان :
فإن الشيء قد يكون بديهياً ولكن يجهله الإنسان
، لفقد سبب توجه النفس ، فلا يجب أن يكون الإنسان عالماً بجميع البديهيات ، ولا يضر
ذلك ببداهة البديهي. ويمكن حصر أسباب التوجه في الأمور التالية : ـ
١ ـ (الانتباه) وهذا
السبب مطّرد في جميع البديهيات ، فالغافل قد يخفى عليه أوضح الواضحات.
٢ ـ (سلامة الذهن) وهذا
مطّرد أيضاً ، فإنّ من كان سقيم الذهن قد يشك في أظهر الأمور أو لا يفهمه. وقد ينشأ
هذا السقم من نقصان طبيعي أو مرض عارض أو تربية فاسدة.
٣ ـ (سلامة الحواس) وهذا
خاص بالبديهيات المتوقفة على الحواس الخمس وهي المحسوسات. فإن الأعمى أو ضعيف البصر
يفقد كثيراً من العلم بالمنظورات وكذا الأصم في المسموعات وفاقد الذائقة في المذوقات.
وهكذا.
٤ ـ (فقدان الشبهة). والشبهة
: أن يؤلف الذهن دليلاً فاسداً يناقض بديهة من البديهيات ويغفل عما فيه من المغالطة
، فيشك بتلك البديهة أو يعتقد بعدمها. وهذا يحدث كثيراً في العلوم الفلسفية والجدليات.
فإن من البديهيات عند العقل أن الوجود والعدم نقيضان وأن النقيضين لايجتمعان ولايرتفعان
، ولكن بعض المتكلمين دخلت عليه الشبهة في هذه البديهة ، فحسب أن الوجود والعدم لهما
واسطة وسماها (الحال) ،
فهما يرتفعان عندها. ولكن مستقيم التفكير إذا حدث له ذلك وعجز عن كشف المغالطة يردها
ويقول أنها (شبهة في مقابل
البديهة).
٥ ـ (عملية غير عقلية) لكثير
من البديهيات ، كالاستماع إلى كثيرين يمتنع تواطؤهم على الكذب في المتواترات ، وكالتجربة
في التجربيات ، وكسعي الإنسان