رأس المال لجميع العلوم
التي يحصل عليها الإنسان ، ويشاركه فيه سائر الحيوانات التي لها جميع هذه الحواس أو
بعضها.
٢ ـ ثم تترقى مدارك الطفل فيتصرف ذهنه في
صور المحسوسات المحفوظة عنده ، فينسب بعضها إلى بعض : هذا أطول من ذاك ، وهذا الضوء
أنور من الآخر أو مثله ويؤلف بعضها من بعض تأليفاً قد لا يكون له وجود في الخارج ،
كتأليفه لصور الأشياء التي يسمع بها ولا يراها ، فيتخيل البلدة التي لم يرها ، مؤلفة
من الصور الذهنية المعروفة عنده من مشاهداته للبلدان. وهذا هو (العلم الخيالي) يحصل
عليه الإنسان بقوة (الخيال)
، وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات.
٣ ـ ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر المحسوسات
، فيدرك المعاني الجزئية
التي لا مادة لها ولا مقدار : مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه ، وخوف الخائف ، وحزن
الثاكل ، وفرح المستبشر وهذا هو (العلم
الوهمي) يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة
(الوهم).
وهي ـ هذه القوة ـ موضع افتراق الإنسان عن الحيوان ، فيترك الحيوان وحده يدبر ادراكاته
بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود.
٤ ـ ثم يذهب هو ـ الإنسان ـ في طريقه وحده
متميزا عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية ، فيدير بها دفة مدركاته
الحسية والخيالية والوهمية ، ويميز الصحيح منها عن الفاسد ، وينتزع المعاني الكلية
من الجزئيات التي أدركها فيتعقلها ، ويقيس بعضها على بعض ، وينتقل من معلوم الى
آخر ، ويستنتج ويحكم ، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية. وهذا (العلم)
الذي يحصل للانسان بهذه القوة هو العلم الاكمل الذي كان به الانسان انساناً ،
ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم وألفت الفنون ، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس.
وعلم المنطق وضع من بين العلوم ، لاجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفاً من تأثير
الوهم والخيال عليها. ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.
تعريف العلم :
وقد تسأل على أي نحو تحصل للانسان هذه
الادراكات؟ ونحن قد قربنا لك فيما مضى نحو حصول هذه الادراكات بعض الشيء ، ولزيادة
التوضيح نكلفك أن