عليكم. فإنّي أحمد
إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر
فيه بحسن رأيكم ، وإجماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسألت الله أن يحسن لنا
الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر. وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء
لثمان مضين من ذي الحجّة (يوم التروية) ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم
وجدّوا ؛ فإنّي قادم عليكم في أيامي هذه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ذكر
الشيخ المفيد (ره) [١]
قال : فأقبل قيس بن مسهر الصيداوي يجدّ السير حتّى إذا انتهى إلى القادسية [٢]
، وكان ابن زياد قد بلغه قدوم الحسين (عليه السّلام) إلى
[٢] القادسية : قيل :
سمّيت بقادس هراة. قال المدايني : كانت القادسية تسمّى قدّيساً. وروى أبو عينية
قال : مرّ إبراهيم الخليل (عليه السّلام) بالقادسية فرأى زهرتها ، ووجد هناك
عجوزاً ، فغسلت رأسه ، فقال : قُدّست من أرض ، فسمّيت القادسية.
وبهذا الموضع كانت
وقعة القادسية بين المسلمين والفرس في أيام عمر بن الخطاب (رض) ، في سنة ستة عشر
من الهجرة ، وقاتل المسلمون يومئذ وسعد بن أبي وقاص قائدهم في القصر ينظر إليهم ، فنُسب
إلى الجبن ، فقال : رجل من المسلمين :
ألم
ترَ أنّ اللهَ أنزل نصرهُ
وسعدٌ
ببابِ القادسيةِ معصمُ
فاُبنا
وقد أمّت نساءٌ كثيرةٌ
ونسوةُ
قيسٍ ليس فيهنَّ آيمُ
والقادسية : قرية بها
الإمام المستعين ، وبها الحارث بن مضرس ، وسعد بن عبيد. انظر الإشارات ـ علي بن
أبي بكر الهروي (المتوفّى ٦١١) / ٨٤ ، طبع بحلب. والقادسية : مدينة على شفير
البادية صغيرة ذات نخل ومياه ، ويزرع بها الرطاب الكثيرة ، ويتّخذ منه القت علفاً
لجمال الحاج وغيرها ، وليس للعراق بعدها من ناحية البادية وجزيرة العرب ماء يجري
ولا شجر. انظر صورة الأرض ـ لابن حوقل / ٢٤٠ ، طبع ليدن إلخ. ومن القادسية إلى
الكوفة مرحلتان ، ومن القادسية إلى مدينة السلام (بغداد) أحد وستون فرسخاً ، ومن
القادسية إلى العذيب ـ وهي أوّل خط البادية ـ ستة أميال. انظر نزهة المشتاق ـ
الشريف الإدريسي ١ / ١٣٨ ، طبع أوربا. وقال عبد المؤمن : القادسية : قرية بالكوفة
من جهة البرّ ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وبينها وبين العذيب أربعة
أميال ، عندها كانت الوقعة العظمى بين المسلمين وفارس ؛ قُتل فيها أهل فارس وفتحت
بلادهم على المسلمين. وكان سعد في قصر هناك هو وأهله ، وكان به دماميل قد منعته من
الجلوس والركوب ، فكان في أعلى القصر منبطحاً على وجهه يُشرف عليهم ، وله تحت
القصر مَنْ يبلغهم أمره وتدبيره لهم. انظر مراصد الإطلاع ـ فصي الدين عبد المؤمن ٢
/ ٣٧٦٧ ، طبع أوربا.