وبهذه العناية
المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمة المحمدية اقتداء بنبيها ، بقي القرآن
محفوظا في حرز حريز ، إنجازا لوعد الله الذي تكفل بحفظه ، حيث يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)[٢] ، ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل
وانقطاع السند ، حيث لم يتكفل الله بحفظها ، بل وكلها إلى حفظ الناس ، فقال تعالى
: (وَالرَّبَّانِيُّونَ
وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ)[٣] ، أي بما طلب إليهم حفظه ، والسر في هذه التفرقة أن
سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأييد ، وأن هذا القرآن جيء به
مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليها ، فكان جامعا لما فيها من الحقائق
الثابتة ، زائدا عليها بما شاء الله زيادته ، وكان سادا مسدها ولم يكن شيء فيها
يسد مسده ، فقضى الله أن يبقى حجة إلى قيام الساعة ، وإذا قضى الله أمرا يسر له
أسبابه ، وهو الحكيم العليم [٤].
غير أني أودّ
أن أنبه ـ بعد أن أستغفر ربي العظيم كثيرا ـ إلى أن القرآن الكريم لم ينزّل كتابا
في التاريخ ، يتحدث عن أخبار الأمم ، كما يتحدث عنها المؤرخون ، وإنما هو كتاب
هداية وإرشاد للتي هي أقوم [٥] ، أنزله الله ، سبحانه وتعالى ـ ليكون دستورا للمسلمين
، ومنهاجا يسيرون
[١] محمد عبد الله دراز
: النبأ العظيم ، ونظرات جديدة في القرآن من ١٢ ، ١٣