نام کتاب : دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم نویسنده : محمد بيومي مهران جلد : 1 صفحه : 179
ذاته ، فإنه ـ جل وعلا ـ قد أعطى الإنسانية نفسها ، مثلا حيّا في إبراهيم
وابنه إسماعيل ، تمهيدا لمنع هذه العادة البربرية ، فيأمره بذبح ولده ، ثم يفتديه
بكبش عظيم ، ومن هنا كان ارتباط هذا الحادث ارتباطا وثيقا ، بظاهرة التضحية
البشرية ، التي كانت تمارس في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم ، والحث على
استبدال ذلك التقليد بالتضحية الحيوانية [١].
ومن عجب ، أن
ذرية إبراهيم من إسحاق ، لم يكونوا على مستوى الدعوة ، فبقيت فيهم عادة التضحية
البشرية إلى ما بعد أيام موسى ونزول التوراة ، ويتضح هذا من رواية سفر الخروج [٢] ، حيث يحرم الله على بني إسرائيل أن يعطوا أبكار
أبنائهم قربانا إلى الله تعالى ، كما يتضح كذلك من سفر اللاويين [٣] ، حيث ينص على عقوبة الرجم لمن يعطي ابنه قربانا لملكوم
ـ إله العمونيين ـ وقد كانوا يقدمون له الذبائح البشرية ، لا سيما من الأطفال [٤].
ومع ذلك فقد ظل
أمراء بني إسرائيل ينذرون أبناءهم ، محرقة على المذابح ، كما فعل «يفتاح الجلعادي»
حين نذر للرب «إن دفعت بني عمون ليدي ، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي
عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون ، يكون للرب ، وأصعده محرقة» [٥] ، وتشاء الأقدار أن تكون ابنته الوحيدة هي التي تهب
للقائه عند ما عاد من معركته هذه ، ومن ثم فقد اضطر أن يفي بنذره هذا بعد شهرين [٦].