وَ أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَ لَقَدْ بَلَغَني أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَها وَ قُلْبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا ما تَمْتَنِع مِنْهُ إِلَّا بالْاسْتِرْجَاعِ وَ الْاسْتِرْحَامِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلا مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَ لا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ؛ فَلَوْ أَنَّ امْرَءاً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هذَا أَسَفاً مَا كانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كانَ بِه عِنْدِي جَدِيراً؛ فَيَا عَجَباً! عَجَباً- وَ اللَّهِ- يُمِيتُ الْقَلْبَ وَ يَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتَماعِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى: يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَ لَا تُغِيرُونَ، وَ تُغْزَوْنَ، وَ لَا تَغْزُونَ، وَ يُعْصَى اللَّهُ وَ تَرْضَوْنَ! فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الحَرّ قُلْتُمْ: هذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ، وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشّتَاءِ قُلْتُمْ: هذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرّ، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ؛ كُلُّ هذَا فِراراً مِنَ الْحَرّ وَ الْقُرّ؛ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرّ وَ الْقُرّ تَفِرُّونَ؛ فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ مِنَ السّيْفِ أفَرّ!
البرم بالناس
يا أَشْبَاهَ الرّجَالِ وَ لَا رِجَالَ! حُلُومُ الْأَطْفَالِ، وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَنّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً- وَ اللَّهِ- جَرَّتْ نَدَماً، وَ أَعْقَبَتْ سَدَماً. قَاتَلَكُمُ اللَّهُ! لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبي قَيْحاً، وَ شَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً، وَ جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفاساً، وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالعِصْيَانِ وَ الخِذْلانِ؛ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَ لكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ.
لِلَّهِ أَبُوهُمْ! وَ هَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَها مِرَاساً، وَ أَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنّي!