وَ أَنَّكَ فِي قُلْعَةِ وَ دَارِ بُلْغَةٍ، وَ طَرِيقٍ إِلَى الْآخِرَةِ، وَ أَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لَايَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَ لَايَفُوتُهُ طَالِبُهُ وَ لَابُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَ أَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ.
ذكر الموت
يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَ ذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَ تُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَ قَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَ شَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَ لَايَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ. وَ إِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلَادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَ تَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكاللَّهُ عَنْهَا، وَ نَعَتْ هِىَ لَكَ عَنْ نَفْسَهَا، وَ تَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلَابٌ عَاوِيَةٌ، وَ سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَ يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا وَ يَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا. نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ، وَ أُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا، وَ رَكَبِتْ مَجْهُولَهَا. سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا وَ لَامُسِيمٌ يُسِيمُهَا. سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى، وَ أَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى، فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا، وَ غَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا، وَ اتَّخَذُوهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَ لَعِبُوا بِهَا، وَ نَسُوا مَا وَرَاءَهَا.
الترفق في الطلب
رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلَامُ. كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الْأَظْعَانُ؛ يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ!
وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَ إِنْ كَانَ وَاقِفاً،