فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً، وَ سُبُلًا نَيِّرَةً، وَ مَحَجَّةً نَهْجَةً، وَ غَايَةً مُطَّلَبَةً، يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ، وَ يُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ؛ مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ، وَ خَبَطَ فِي التِّيهِ، وَ غَيَّرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ، وَ أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ. فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ! فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ سَبِيلَكَ، وَ حَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ، وَ مَحَلَّةِ كُفْرٍ، فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً، وَ أَقْحَمَتْكَ غَيّاً، وَ أَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ، وَ أَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ.
و من كتاب له (ع) (31)
للحسن بن علي عليهما السلام، كتبها إِلَيه «بحاضرين» عند إنصرافه من صفِّين
مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ لِلدُّنْيَا، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى، وَ الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً. إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لا يُدْرَكُ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الْأَسْقَامِ، وَ رَهِينَةِ الْأَيَّامِ، وَ رَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ، وَ عَبْدِ الدُّنْيَا، وَ تَاجِرِ الْغُرُورِ، وَ غَرِيمِ الْمَنَايَا، وَ أَسِيرِ الْمَوْتِ، وَ حَلِيفِ الْهُمُومِ، وَ قَرِينِ الْأَحْزَانِ، وَ نُصُبِ الْآفَاتِ، وَ صَرِيعِ الشَّهَوَاتِ، وَ خَلِيفَةِ الْأَمْوَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِيَما تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي، وَ جُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَىَّ وَ إِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَيَّ، مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَاي، وَ الاهْتَمامِ بِما وَرَائِي غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي، فَصَدَفَنِي رَأْيِي وَ صَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ، وَ صَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي، فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لَايَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ، وَ صِدْقٍ لَايَشُوبُهُ كَذِبٌ. وَ وَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُك كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَ كَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاك أَتَانِي،