لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَ مَحَامِدِ الْأَفْعَالِ، وَ مَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الُمجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ وَ يَعَاسِيبِ الْقَبَائِلِ؛ بِالْأَخْلَاقِ الرَّغِيبَةِ، وَالْأَحْلَامِ الْعَظِيمَةِ، وَ الْأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ، وَ الْآثارِ الَمحْمُودَةِ. فَتَعَصَّبُوا لِخَلالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَ الْوَفاءِ بِالذِّمَامِ، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَ الْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ، وَ الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ، وَ الْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ، وَ الْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ، وَ الْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ، وَ الْكَظْمِ لِلْغَيْظِ، وَ اجْتِنابِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ.
وَ احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ وَ ذَمِيمِ الْأَعْمَالِ.
فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ، وَ احْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ.
فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُمْ، وَ زَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ، وَ مُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَ انْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ، وَ وَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الْاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ، وَ اللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ، وَ التَّحَاضِّ عَلَيْهَا، وَ التَّوَاصِي بِهَا، وَ اجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ، وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ. مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ، وَ تَشَاحُنِ الصُّدُورِ، وَ تَدَابُرِ النُّفُوسِ، وَ تَخَاذُلِ الْأَيْدِي.
وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ، كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ الَّتمْحِيصِ وَ الْبَلاءِ. أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً، وَ أَجْهَدَ العُبَادِ بَلَاءً، وَ أَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا. اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَجَرَّ عُوهُمُ الْمُرَارَ، فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَ قَهْرِ الْغَلَبَةِ. لَايَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ، وَ لَاسَبِيلًا إِلَى دِفَاعٍ. حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ، وَ الْاحْتَمالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ، جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً، فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ،