وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ، حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا، وَ تَقْضِيَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا. وَ خَلْقُهَا كُلُّهُ لَايُكوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً.
فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي «يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً»، وَ يُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً، وَ يُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَ ضَعْفاً، وَ يُعْطِي لَهُ الْقِيَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً. فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ. أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَ النَّفَسِ، وَ أَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَ الْيَبَسِ. وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَها، وَ أَحْصَى أَجْنَاسَهَا. فَهذَا غُرَابٌ وَ هذَا عُقَابٌ. وَ هذَا حَمَامٌ وَ هذَا نَعَامٌ. دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ، وَ كَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ. وَ أَنْشَأَ «السَّحَابَ الثِّقَالَ» فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا، فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا، وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا.
و من خطبة له (ع) (186)
في التوحيد، و تجمع هذه الخطبة من أُصول العلم ما لا تجمعه خطبة
مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ، وَ لَاحَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ، وَ لَاإِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ. وَ لَا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَ تَوَهَّمَهُ. كُلُّ مَعْرُوفٍ بَنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ، وَ كُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ. فَاعِلٌ لَابِاضْطِرَابِ آلَةٍ. مُقَدِّرٌ لَابِجَوْلِ فِكْرَةٍ. غَنِىٌّ لَابِاسْتِفَادَةٍ. لَاتَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ، وَ لَاتَرْفِدُهُ الْأَدَواتُ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ. وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ. وَ الْابْتِدَاءَ أَزَلُهُ. بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لَامَشْعَرَ لَهُ وَ بِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لَاضِدَّ لَهُ. وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَالْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَاقَرِينَ لَهُ. ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ وَ الْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ، وَ الْجُمُودَ بِالْبَلَلِ، وَ الْحَرُورَ بِالصَّرَدِ. مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا. مُقَارِنٌ بَيْنَ مُتَبَايناتِها،