وَ مَنْ يَنْقَضِي إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ، فَلَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلَامٍ، وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ.
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمُ الْمَعَاشَ؛ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا، لَكَانَ ذلِكَ سُلَيَمانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وَ عَظِيمِ الزُّلْفَةِ. فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ، وَ اسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ، رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ. وَ أَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً، وَ الْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً، وَ وَرِثَها قَوْمٌ آخَرُونَ. وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً!
أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَ أَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ! أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَ أَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ! أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ، وَ أَطْفَؤوا سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ، وَ أَحْيَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِينَ! أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَ هَزَمُوا بِالْأُلُوفِ. وَ عَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ وَ مَدَّنُوا الْمَدَائِنَ.
و منها: قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا. وَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَالْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَ التَّفَرُّغِ لَها؛ فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتي يَطْلُبُهَا، وَ حَاجَتُهُ الَّتي يَسْأَلُ عَنْهَا. فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اغْتَرَبَ الْإِسْلَامُ، وَ ضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ، وَ أَلْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِهِ. بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ، خَلِيفَةٌ مِنْ خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ.
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: