مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ، وَ إِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ. قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَ مُدَّةٍ، وَ كُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الُمحَدِّدُونَ مِنْ صفَاتِ الْأَقْدَارِ، وَ نِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ. وَ تَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ، وَ تَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ. فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وَ إِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.
ابتداع المخلوقين
لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ، وَ لَامِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ، وَ صَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ. لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَ لَا لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ. عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ، وَ عِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمواتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.
منها: أَيُّهَا الَمخْلُوقُ السَّوِيُّ، وَ الْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ، وَ مُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ. بُدِئْتَ «مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ»، وَ وُضِعْتَ «فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ»، وَ أَجَلٍ مَقْسُومٍ. تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لا تُحِيرُ دُعَاءً، وَ لَا تَسْمَعُ نِدَاءً. ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا، وَ لَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِها. فَمَنْ هَدَاكَ لِاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ؟ وَ عَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَ إرَادَتِكَ! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَ الْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ! وَ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الَمخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!