وَ اجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَ اقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَ يُرُوهُمُ الآياتِ الْمُقَدَّرَةَ: مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ، وَ مِهادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، وَ مَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِيهِمْ، وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَ أَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ؛ وَ لَمْ يُخْلِ سُبْحانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيّ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابِ مُنْزَلٍ، أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ، أَوْ مَحَجَّةٍ قائِمَةٍ: رُسُلٌ لا تُقَصّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَ لا كَثْرَةُ الْمُكَذّبينَ، لَهُمْ: مِنْ سَابِقٍ سُمّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ: عَلَى ذلِكَ نْسِلَتِ الْقُرُونُ، وَ مَضَتِ الدُّهُورُ، وَ سَلَفَتِ الآبَاءُ. وَ خَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ.
مبعث النبي صلى الله عليه و آله
إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِإنْجَازِ عِدَتِهِ وَ اتمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيّينَ ميثاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلادُهُ. وَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرّقَةٌ، وَ أَهْواءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَ طَرَائِقُ مُتَشَتّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ في اسْمِهِ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ، وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنْ الْجَهالَةِ. ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لُمحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله و سلم لِقَاءَهُ، وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيا وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مَقامِ الْبَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِياءُ في أُمَمِها- إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا، بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ، وَ لا عَلَمٍ قائِمٍ.