فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ، لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ، وَ لِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَ لَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ، مِمَّا يُؤَكّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ، وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَ مُتَحَمّلِي وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ، قَرْناً فَقَرْناً؛ حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله- حُجَّتُهُ، وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ. وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا، وَ قَسَّمَهَا عَلَى الضّيقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا، وَ لِيَخْتَبِرَ بِذلِكَ الشُّكْرَ وَ الصَّبْرَ مِنْ غَنِيّهَا وَ فَقِيرِهَا. ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا، وَ بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا. وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا، وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا، وَ وَصَلَ بِالمَوْتِ أَسْبَابَهَا، وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا، وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا. عَالِمُ السّرّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ، وَ نَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ، وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ، وَ عُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ، وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ وَ مَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَ غَيَابَاتُ الْغُيُوبِ، وَ مَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ، وَ مَصَائِفِ الذَّرِّ، وَ مَشَاتِي الْهَوَامّ، وَ رَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ، وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ، وَ مُنْفَسَحِ الَّثمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ، وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِيَتِهَا، وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِيَتِهَا، وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ، وَ مَحَطّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ، وَ نَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا، وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا، وَ مَا تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا، وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا، وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ الرّمَالِ، وَ مُسْتَقَرّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ، وَ تَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكارِ، وَ مَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ، وَ حَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ،