«هذا الذي ذهب إليه القانون المصري هو مذهب الإمامية» [1].

15. ترجيح فقه أهل البيت عليهم السلام في مسألة الزواج من الكتابية

يقول «محمّد رشيد رضا» صاحب تفسير المنار في تفسير الآية 221 من سورة البقرة: «وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ»، في باب عدم جواز نكاح المرأة المشركة وجوازه من المرأة الكتابية (اليهودية والنصرانية):

«ونقول في الجواب: لو اتحدت لمصرّح الكتاب بجواز الزواج بالكتابية المحصنة، ولما اتفق سلف الامّة وخلفها على ذلك، ما عدا هذا الشرذمة من الشيعة» [2].

ولكنّه بعد صفحة أو صفحتين يبرر هذا الرأي مع الاعتذار من هذه الفتوى والعودة إلى رأي علماء الشيعة ويقول:

«هذا ما كتبته عند طبع التفسير للمرّة الاولى (من الفتوى بجواز نكاح المرأة اليهودية والنصرانية) وقد حدث بعد ذلك أن فتن كثير من شبّان مصر بنساء الافرنج وتزوجوا بهنّ فأفسدن عليهم أمورهم الدينية والوطنية، واضطر بعضهم إلى الطلاق وغرم كثير من المال، ومن رجل غني قتلته امرأته الفرنسية وجاءت تطالب بميراثها منه، وقليل منهم من اهتدت به زوجه وأسلمت.

وقد سرت العدوى إلى المسلمات فمن الغنيات منهنّ من تزوجن بمن عشقن من رجال الافرنج بدون مبالاة بالدين الذي لا تعرف منه غير اللقب الوراثي وقد عظمت الفتنة وقى البلاد من شرّها» [3].

وفي الحقيقة أنّ «محمّد رشيد رضا» أدرك عمق نظر فقهاء الشيعة ورجع من فتواه السابقة.

الخلاصة:

إنّ الحركة التكاملية والتدريجية للفقه المقارن في مرحلته المعاصرة، أدت- مضافاً إلى تقليل الفاصلة بين المذاهب الإسلامية- إلى أن ينظر العالم الإسلامي بنظرة إيجابية لفقه أهل البيت عليهم السلام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ نظام الهيمنة الاستكباري والصهيونية العالمية الذين يخشون من التقريب بين المسلمين وازدهار فقه أهل البيت عليهم السلام في العالم الإسلامي بذلوا كل جهودهم لتكريس الفرقة بين المسلمين وإثارة الأشخاص المتطرّفين والجاهلين ضد الشيعة، وبذلك عملوا من جهة على اعاقة هذه النهضة المباركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية ومنعوا اهتمام العالم الإسلامي بمذهب أهل البيت عليهم السلام، ومن جهة أخرى دفعوا بالشيعة إلى اتخاذ موقف مماثل لمواجهة هذا العداء من قِبل الآخرين، وبذلك استطاعوا تعميق الهوة وإثارة الفتنة بين المسلمين وزيادة الخلافات والنزاعات الداخلية.

وحالياً نرى أنّ الكثير من البلدان الإسلامية قد اعترفت بمذهب أهل البيت عليهم السلام رسميّاً، وأدرك علماء هذه البلدان عظمة فقه هذا المذهب الأصيل وتحركوا على مستوى الاستفادة منه في دائرة الفقه المقارن، فينبغي على العلماء السعي وبذل الجهد في تعريف‌

[1]. الفقه المقارن للأحوال الشخصية لأبوالعينين، ص 466.

[2]. المنار، ج 2، ص 355.

[3]. المصدر السابق، ص 357.