ولكن في نظر الشافعية والرأي الراجح للحنابلة فإنّ الحدّ الأدنى للحرمة هو
الرضاع خمس مرات وفي كل مرّة يرتضع فيه الطفل رضعة كاملة بحيث يترك ثدي امّه
لوحده، ودليلهم على هذا القول رواية عائشة قالت:
«لقد ورد في القرآن الرضاع عشر مرات،
ثم نسخت بعدها إلى خمس»، ويرى ابن عربي أن هذا الدليل من أضعف الأدلة لاثبات
المطلوب، لأنّ هذه الرواية استندت لآية لا يعلم كونها من القرآن، ويقول: إذا عملنا
بهذه الرواية ينفتح أمامنا باب الطعن بالقرآن الكريم وأنّ التحريف واقع فيه [2].
أمّا في الفقه الجعفري فإنّ مقدار الرضاع ينبغي أن يكون باعثاً على إنبات
اللحم وانشداد العظيم للطفل، أو من حيث المدّة يكون الرضاع يوماً وليلة متوالية،
أو يكون من حيث العدد خمسة عشر رضعة كاملة [3].
وهنا نرى أن الشيخ شلتوت يختار رأي الشيعة ويقول:
«أنا شخصياً أرى أنّ دليل الشيعة
أقوى، وبذلك افتي في هذا الموضوع وفقاً لرأي الشيعة» [4].
يستنبط الشيخ شلتوت من قوله تعالى:
«وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ...»[5]. أنّ عنوان «الامهات من الرضاعة» إنّما يصدق
فيما إذا رضع الطفل مدّة معتبرة من هذه المرأة، وبديهي أنّ تناول قطرة من لبن
المرأة أو رضاع خمس مرات لا يكفي لصدق هذا العنوان ولا يثير عاطفة الامومة
والعلاقة بين الام وابنها» [6].
3. ترجيح فقه أهل البيت عليهم السلام في مسألة الطلاق المعلّق
وفقاً لفقه المذاهب الأربعة لأهل السنّة، فإنّ الطلاق المعلّق مع تحقق الشرط،
«المعلّق عليه» واقع ومنجز، وكان هذا هو قانون البلدان الإسلامية ومنها مصر إلى
سنة 1929 م ولكن طبقاً للمذهب الشيعي فإنّ الطلاق المعلّق وغير المنجز باطل بشكل
عام ولا يقع، بمعنى أن صيغة الطلاق يجب أن تكون غير مقيدة بأي قيد، حتى لو كان
الطلاق معلّقاً بشرط معلوم وقطعي، فمع ذلك فهو في نظر الفقه الشيعي باطل وغير
صحيح.
وقد اختار هذا الرأي الشيخ شلتوت المفتي الأعظم لمصر ورجحه على غيره، وقد أدى
ذلك إلى تغيير القانون المدني لمصر في هذه المسألة وفقاً للفقه الشيعي، ومنذ عام
1929 م تم إصلاح هذا القانون في المادة ثلاثة، القانون رقم 25 إلى ما يلي:
4. ترجيح فقه أهل البيت عليهم السلام في مسألة الطلاق بالثلاث
ومن جملة المسائل الفقهية التي نهج فقه أهل البيت عليهم السلام منذ البداية
خلافاً لسائر المذاهب الأربعة، ما يتعلق بالطلاق ثلاثاً وجملة واحدة، ففي رأي
جمهور المذاهب الأربعة ذا قال الرجل لزوجته: أنتِ، طالق ثلاث مرات، فإنّه يحسب
طلاقاً لثلاث مرات فلا يحق له الرجوع إليها بعد ذلك، ولكن في نظر الفقه الشيعي
فإنّه يحسب طلاق واحد، فيحق للزوج الرجوع لزوجته