يتصوّر آجوست كونت: مرحلة الدين والفلسفة والعلم، فمضافاً إلى أنّ هذه النظرية
تعدّ ادّعاءً محضاً لا يقوم على أساس الدليل والشواهد العلمية، بل إنّ الشواهد
التاريخية غير قابلة للإنكار تقرّر خلاف هذه الرؤية، ومن هنا نلاحظ في العصر
الحاضر الذي يدّعي كونتأنّه عصر العلم، شيوع واتّساع مساحة العقائد الدينية
وتنوّعها. والإحصاءات التي تنشر في البلدان الصناعية والكبيرة في الغرب، تشير إلى
الإزدياد الدائم في دائرة هذه العقائد في أجواء المجتمعات الغربية.
وتشكّل العقائد الدينية قسماً عظيماً من ثقافة المجتمعات البشرية على امتداد
التاريخ.
ولابدّ من الالتفات إلى أنّ هذا العنوان ونظائره غير ناظر إلى مذهب واحد
بالخصوص، بل يشير إلى مذاهب متعدّدة أفرزتها عقول جماعة كبيرة من علماء الحقوق من
خلال اطروحاتهم وقرائحهم المتنوّعة.
وأهمّ قاسم مشترك بين هؤلاء الحقوقيين، أنّهم يعتقدون بأنّ الحقوق عبارة عن
مجموعة من القواعد الصادرة من قِبل الدولة والتي تتكفّل بتنفيذها أيضاً.
ويرى هؤلاء العلماء أنّ النظريات المذكورة في دائرة الحقوق إنّما تفيد المقنّن
في تعيين القواعد التي تقوده في توضيح الرؤية، وإلّا فما هو مهمّ في نظر المقنّن
والحقوقيّ هي قواعد الحقوق الوضعية، وهي التي تضعها الدولة وتثبت اعتبارها
ومشروعيتها في هذا الوضع، فلا توجد قاعدة أخلاقية عليا تكون بمستوى أعلى من هذه
الحقوق الوضعية. يعني أنّ القانون السيّء يكون ملزماً أيضاً بنفس المقدار الذي
يكون فيه القانون الأكمل والأفضل [2].
وفي نظر هذه المدرسة الحقوقية فإنّ القواعد الحقوقية المطلوبة والمثالية، سواء
كانت ناشئة من طبيعة الأشياء أو من العادات والتقاليد الاجتماعية، لا تتمكّن بأيّة
حالٍ من معارضة الحقوق الموضوعة، وبالطبع لابدّ من فهم العوامل المؤثّرة في وضع
القانون والقوى التي تتدخّل في طبيعة الحركة التقنينية للدولة.
وبعبارة أخرى أنّ أتباع المذهب الوضعيّ الحقوقيّ يقبلون بتأثير أمور مختلفة في
إرادة الحكومة بالنسبة لوضع القانون من قبيل القواعد المطلوبة والمثالية الناشئة
من طبيعة الأشياء أو من الوجدان العام والعادات والتقاليد الاجتماعية، ولكنّ هذه
الأمور بحدّ ذاتها تدخل ضمن القواعد الأخلاقية غير الملزمة، وما يبعث على ظهور
القواعد الأخلاقية وإيجاد حالة الإلزام لها ليس سوى إرادة الدولة. ويرى عالم
الحقوق الفرنسي ريبر وهو من أنصار المدرسة الوضعية، أنّ الحقوق الموضوعة ناشئة من
قدرة الدولة، ولكنّ المقنّن ليس حرّاً ومختاراً في وضع هذه القواعد، لأنّه يخضع
بدوره للضرورات الاجتماعية والأخلاقية والدينية والحضارية التي يعيشها الناس. ففي
الحكومات الليبرالية يكون وضع القانون بعهدة الوكلاء المنتخبين من قِبل الشعب،
فالشعب مؤثّر بشكل غير مباشر في إيجاد هذه الحقوق.