responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 538

وفي الواقع فإنّ السيّد المسيح عليه السلام في خطبته المعروفة بخطبة «الجبل» في أبواب 5 و 6 و 7 من إنجيل متّى يؤكّد على «البعد العرفاني» لأحكام التوراة.

إذن فالمسيحية في بداية الأمر كانت بمثابة حركة عرفانية في واقع الديانة اليهودية وكان أتباعها يطلقون على ذلك كلمة «الطريقة» [1] وإن أصبحت فيما بعد ديناً مستقلًا تدريجياً. ومعلوم أنّ هذه المسيحية التي قلنا أنّها بمثابة طريقة عرفانية لليهودية، كانت تملك عرفاء ومنظومة عرفانية. والديانة اليهودية بدورها كانت تملك عرفاء ومنظومة عرفانية كما هو الحال في المسيحية وأيّ دين آخر. ويسمّى العرفان اليهودي «قبالا» أي «المقبول».

تقاطع الشريعة والطريقة!

ماذا يعني العرفان؟ إنّه التوجّه من الظاهر إلى الباطن، ومن الصورة إلى المعنى، ومن اللفظ إلى المحتوى، ومن الإسم إلى المسمّى، ومن الجسم إلى الروح، ومن المبادى‌ء إلى الغايات، ومن الشريعة إلى الطريقة، ومن الشهود إلى الغيب، ومن القرب إلى الحضور، ومن العقل إلى العشق و ....

وأساس هذا التوجّه يعدّ مقبولًا عند جميع المتديّنين ولا أحد ينكر ضرورته، ولكن هل ينبغي في هذه الحركة العرفانية الجمع بين الظاهر والباطن، أم لابدّ من أجل الوصول إلى الباطن من ترك الظاهر وإلغائه، بل التحرّك في مخالفته؟ هناك اختلاف في الرأي.

وكلّنا يعلم أنّ سيّد العرفاء وهو الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وأميرالمؤمنينن علي‌ عليه السلام كانا في عين التفاتهم الكامل للباطن، فإنّهما لم يتعاملا مع الظواهر من موقع الإهمال والاجتناب، بل كانت أقوالهما والأحاديث الواردة عنهما تعكس كمال الحركة في خطّ العبودية والطاعة والانفتاح على اللَّه بعيداً عن أقوال المتصوّفة وادّعاءاتهم الطويلة والعريضة، وكان الكثير من العرفاء في العالم الإسلامي يقتدون بهما في السلوك المعنوي الخالص وفي كيفية الوصول إلى مقام القرب المعنوي والإلهي.

ولكن بعد مدّة ظهر بعض الأشخاص الذين تحرّكوا في هذا الخطّ وأخذوا يتعاملون مع ظاهر الدين بشكل سلبيّ ومن موقع اللامبالاة بذريعة الاهتمام بالباطن، وصدرت عنهم كلمات لا مسؤولة تتضمّن ادّعاء الإلوهية وإهانة المقدّسات الإسلامية، إلى حدّ أنّ بعضهم كانوا يستخدمون من أجل تحريك مشاعرهم الباطنية، الموسيقى والرقص والخمر والمخدّرات وما إلى ذلك ويوصون أتباعهم بذلك.

نسخ شريعة التوراة في المسيحيّة:

إنّ حالة اللامبالاة بالشريعة بذريعة الاهتمام بالطريقة حدثت في زاوية صغيرة من الامّة الإسلامية، إلّا أنّ هذه الظاهرة في المجتمعات المسيحية والفكر المسيحي كانت واسعة وشاملة، فلم تمرّ سوى أيّام قلائل على صعود عيسى المسيح عليه السلام إلى السّماء حتّى اعتنق أحد المخالفين لهذا الدين الجديد والذي يسمّى «بولُس» هذا الدين وترك حالة العناد والعداء للدين الجديد، وبعد اعتناقه لهذا الدين قام بنسخ شريعة التوراة وذهب إلى أنّ العمل بهذه الشريعة يعدّ مانعاً لحركة الإنسان في طريق الكمال المعنوي. ويعدّ هذا «الرسول» كما ورد في الأحاديث الإسلامية [2] ودراسات‌


[1]. كتاب أعمال رسولان، 9: 2 و 22: 4.

[2]. بحار الأنوار، ج 8، ص 311.

نام کتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 1  صفحه : 538
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست