فإنّ لفظ «قُرء» مشترك بين مفهومين متضادّين هما «الطهر» و «الحيض»، كما أنّ
المفهوم السائد لدى الحجازيين لهذه الكلمة هو «الطهر» ولدى الكوفيين «الحيض» [2].
وقد ذهب بعض الفقهاء كأكثر الإمامية [3]، إلى أنّ كلمة «قُرء» وردت على أساس وضعها اللغوي بمعنى
«جمع» وبما أنّ الدم يجتمع في الرحم في حال الطُهر فيكون المراد من هذه الكلمة ما
يتناسب وحالة «طهر»، واختاروا أيضاً المفهوم الأول على أساس ما ورد في أحاديث
أئمّة أهل البيت عليهم السلام [4] أيضاً، وأفتوا على هذا الأساس بأنّ عدّة طلاق المرأة ثلاثة
أطهار، كما أنّ عائشة وعبداللَّه بن عمر وزيد بن ثابت والشافعي ومالكأفتوا أيضاً
بهذه الفتوى [5].
ولكنّ البعض الآخر كأبيبكر، عمر، عثمان، أبيحنيفة وابن قدامة الحنبلي [6] ومذاهب أخرى
اختاروا المفهوم الثاني «للقرء» وذهبوا إلى أنّ عدّة الطلاق ثلاث حيضات، أي تستغرق
مدّة أطول [7]. وقد
توقّف مالك في هذه المسألة لهذا السبب [8].
وهذا الاختلاف نفسه أفضى أيضاً إلى الاختلاف في حكم فقهيّ آخر (مسألة إرث
المرأة المطلّقة في العدّة)، لأنّه إذا مات الزوج في هذه الفترة (المرّة الثالثة
للحيض) فطبقاً للقول الثاني فإنّ هذه المرأة لا زالت في العدّة وتعتبر زوجة شرعية
للمتوفّى وترثه، خلافاً للقول الأول [9].
ب) الاشتراك اللفظي لأحد الحروف يسبّب أحياناً اختلافاً في الفتوى، مثلًا:
الحرف «أوْ» قد يأتي «للتخيير» أو «للتفصيل». من قبيل: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِّنْ خِلَافٍ أَوْ
يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ...» [10].
فقد ذهب بعض الفقهاء مثل: الشيخ المفيد، سلّار، ابن إدريس، المحقّق والعلّامة [11] من فقهاء
الإمامية، وكذلك الحسن البصري وسعيد بن المسيّب ومجاهد من أهل السنّة إلى أنّ حرف
«أوْ» في هذه الآية للتخيير، والقاضي مخيّر في تنفيذ أيّة واحدة من هذه العقوبات
للمفسد والمحارب، ولكنّ بعض الفقهاء، مثل: الشيخ الطوسيّ [12] من الإماميّة والشافعي وأكثر علماء أهل السنّة [13] ذهبوا إلى أنّ
«اوْ» لتفصيل الحكم، وقالوا: إنّ مقصود الآية الشريفة وضع كلّ عقوبة لنوع معين من
الإفساد والحرابة، وينبغي أن تكون العقوبة متناسبة ومتجانسة مع نوع الجرم، ويختار
القاضي أحد هذه الأمور بما يحقّق هذا التجانس والتناسب [14].